ندوة حول البيئة،لقاء اجتماعي علمي لتوعية جميع اوفاق المجتمع،

تعد الأزمات البيئية والأخطار الناتجة عنها شأنا عاما، لا تخص جماعة معينة، سواء كانت فئة  أو حزبا أو طبقة اجتماعية أو بلدا من البلدان، بل تخص المجتمع البشري بأكمله، وذلك لأن كوكب الأرض ومنظوماته الإيكولوجية مهددة بأخطار عديدة، وبالتالي فإن كل المجتمعات  لها “مصلحة” في قضية الوعي البيئي. هذا يعني أن الانحياز للسياسة البيئية في اي بلد يعني الانحياز لمصلحة الانسان كنوع  ولمصلحة الأرض، أي هذا الكوكب الصالح للحياة، بمعنى أن ثمة مصلحة مشتركة تضمن البقاء واستمرارية الحياة. تعتبر القضايا البيئية شأنا أفقيا يطاول الجميع في أي مجتمع بشري، شأنها في ذلك شأن القومية، أي أنها تتجاوز الانتماءات السياسية (دون أن تنفصل عنها)، لتصبح موضوعا ساهمت كل الافكار السياسية في تطويره من منظورها. فقد أظهر المحافظون والفاشيون والاشتراكيون واللاسلطويون (الأناركيون) والحركة النسائية والليبراليون، وأخيرا الكنيسة ممثلة برأسها الحالي البابا فرانسيسكو (الذي اعلن موقفه الواضح من قضايا التغيير المناخي عندما حدد في أحد خطاباته مسؤولية النظام الرأسمالي عن تخريب الكوكب) تعاطفا خاصا مع قضايا البيئة عموما، الا ان بعض التيارات السياسية سخرت الأفكار البيئية لدعم أهدافها المباشرة والمختلفة من اقصى اليسار الى اقصى اليمين. وتعلن هذه الاحزاب السياسية في برامجها الانتخابية ان هدفها الاول والرئيس هو سعادة الانسان، وبما ان الانسان يشكل الجزء الاهم والفاعل في المكون البيئي. فعليها عمليا كقوى سياسية ألا تتعارض مع حماية موارد الطبيعة ومصادر الطاقة التي تعتمد عليها حياة الناس، بل على العكس، يجب ان تعمل على وضع خطط مستقبلية وحلول للمشاكل البيئية تضمن استمراية الحياة على هذا الكوكب . في نظرة سريعة لمعظم برامج الحكومات في العالم المتقدم، نجد ان هناك تلازما بين السياسي، الاقتصادي والبيئي، ذلك كون البيئي لا بد أن يمر عبر النفق السياسي، وبدوره فالاقتصادي مرتبط بالبيئة ارتباطا وثيقا، ولا يمكن تنفيذ مشروع بيئي دون الرجوع الى قرار سياسي بذلك، ودراسة الجدوى الاقتصادية لهذا المشروع قبل ذلك. وكلها تستند إلى أولويات تحددها حاجة الانسان في المجتمع، ويبحث البيئيون والحركات والاحزاب البيئية في العالم في العلاقة بين الانسان والطبيعة الام، ويعملون على ايجاد طرق للضغط على الحكومات كي تتخذ قرارات سياسية تكون لحماية البيئة، وتضمن ديمومة الحياة على الكوكب وتطالبها بالاجابة عن اسئلة محرجة ومقلقة في ذات الوقت، اهمها: كيفية ايجاد سبل للتنمية المستدامة، كيف يمكن تحسين سلوك الفرد في علاقته مع الطبيعة الام، حيث يعتبر هذا الكائن هو العنصر المستهلك، فيما الارض الام هي العنصر المنتج في هذه الدورة، ما هو الحل لمسألة  النمو السكاني المتسارع  للبشرية، اين نذهب بكميات النفايات الهائلة التي تنتجها البشرية، مشكلة المياه، كيف سنحارب التصحر، كيف نحد من انقراض الكائنات الحية و كيف نحمي الغابات والمحيطات؟ ينتمي المهتمون بالشأن البيئي واعضاء الاحزاب البيئية في شمال الكرة الارضية في أغلبهم إلى الطبقة الوسطى، وبالتالي، فإن مطالبهم تتجاهل نسبيا المطالب الاقتصادية. أما في بلدان الجنوب (ومنها لبنان)، فيشمل الانتماء المجتمعات المحلية الفقيرة، سواء من المزارعين أو السكان الأصلين أو مجموعات عرقية معينة، وكذلك بعض امتدادات منظمات عالمية كالسلام الأخضر أو تلك التابعة لبرامج الأمم المتحدة. وتتركز المطالب لدى هذه المنظمات على سبل العيش والرزق المهددة نتيجة تدهور البيئة، وهذه تصب في الشأن السياسي العام، على الرغم من وجودها اصلا في البرامج الانتخابية لكل النواب، بل وفي الخطط الخمسية للحكومات عامة. بعد كل ذلك يأتي شخص من قادة الحراك الشعبي المطالب بحل المشاكل البيئية في لبنان والذي تطور مؤخرا ليصل ذروته عندما احتل شبان من حركات بيئية مبنى وزارة البيئة، ليقول لك ان قضيتنا بيئية ولا تمت للسياسة بصلة،كيف لا تمت للسياسة بصلة ومعظم المشاكل البيئية في لبنان ناتجة عن فساد الطبقة السياسية، من فضائح السدود الى مناقصات النفايات وصولا إلى الكسارات والمقالع كلها، اضف اليها الصيد البري والبحري غير المشروع، ولا حل لمشكلات البيئية إلا بتجديد الحياة السياسية أبعد من حركة الاصطفاف بين الطوائف، أي ببناء الدولة المدنية العصرية الحاضنة لتطلعات أبنائها.