ما إن انطلقت عملية تصحيح اختبارات الامتحانات الإشهادية للباكالوريا لدورة يونيو 2016 حتى بدأ بعض الأساتذة المصححين في “تسريب” صور لمقاطع أجوبة تلاميذ “غريبة أو مضحكة” على صفحاتهم الخاصة بمواقع التواصل الاجتماعي، جاعلين منها مادة لتنذر الظرفاء، ولتعاليق انقسمت بين ساخرة من المرشحين والمرشحات، ومنتقدة للوضع التعليمي وجودته بالمغرب، وبين رافضة لما أقدم عليه هؤلاء الأساتذة.
وانبرى عدد من الناشطين على موقع التواصل الاجتماعي إلى انتقاد سلوك هؤلاء الأساتذة، معتبرين أن الذين “يُسربون مقاطع أجوبة التلاميذ يُخلون بالسر المهني عندما يعمدون إلى كشف ورقة تحرير التلاميذ ونشرها على صفحات فيسبوك”، داعين إياهم إلى تحمل المسؤولية.
وتابع المنتقدون بالقول: “المسربون لا يعرفون أن نشر صورة أجوبة التلاميذ إهانة وتشهير بالمرشح، كيفما كانت إجاباته، والتشهير يقابله العقاب”، مطالبين بمعاقبة “الأساتذة المسربين لأجوبة التلاميذ”، بسبب “ارتكابهم خطأ فادحا وجُرما في حق أبرياء، وبتهمة إفشاء السر المهني”.
الباحث في التربية والتعليم المدرسي حنافي جواد دعا إلى التأكد من أنَّ الأوراق المنشورة تعود إلى تلاميذَ ومتعلمين حقيقيين، مشيرا إلى أن البعض قد يلجأ إلى خلق الحدث من باب الإثارة، وجلبًا لـ”الإعجابات” وترويجًا للموقعِ أو الصفحة.
وفي ما يخص نشر نماذج إجابات التلاميذ، اعتبر حنافي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “مهما كانت طبيعة الأجوبة، سواء أكانت جيدة أم رديئة أم مثيرة للسخرية، فتسريبها عمل غير مقبولٍ”، متسائلا: “من خول لك أن تصور ورقة أنت مُطالب بتصحيحها؟”.
وتابع المتحدث ذاته قائلا: “إذا كان قصدُ الفاعلين كشفَ اختلالات منظومة التربية والتعليم، وكشف درجة انهيار المُستوى التعليمي والأخلاقي، فإن هنالك قنواتٍ أخرى لإثارة الموضوع؛ بل إن موضوع أزمة التعليم في المغرب أشهرُ من نار على علم”.
ودعا الباحث التربوي ذاته الخبراء في علم النفس وعلم الاجتماع والتربية إلى دراسة نفسيات المتعلمين من خلال تلك الأوراقِ، وما تتضمَّنه من صورٍ وأشكالٍ وإجابات وأدعية وسِبَابٍ وغيرها، من باب إصلاح ما يمكن إصلاحه.
الفاعل التربوي حسن العيساتي لفت إلى أن ظاهرة تصوير التلاميذ في الحصص الدراسية، نائمين أو ممارسين للشغب، انتقلت إلى تصوير إنتاجاتهم من خلال ورقة التحرير، التي يعتبرها بعض الأساتذة أجوبة “سخيفة أو معيبة”، معتبرا الخطوة “خطأ كبيرا يقترفه الأساتذة، على اعتبار أنهم مؤتمنون على ورقة التحرير، فيتم تكييف الأمر على أنه إفشاء لسر مهني، وهو كذلك”، وفق تعبيره.
وقال المتحدث ذاته،: “رغم أن أوراق التحرير تكون مجهولة الاسم، فإن الظاهرة تسيء إلى العملية التعليمية برمتها، وتجعلها محط استهزاء، ما سيؤثر لا محالة سلبا على الناشئة مستقبلا، وهي تعيد إنتاج هذه النماذج بشكل أو بآخر”، معتبرا أن “أجوبة التلاميذ تسائل الأستاذ نفسه”، ومتسائلا: “من الذي لقن هؤلاء التلاميذ حتى وصلنا إلى هذه النتيجة؟”.
وأعرب العيساتي عن تخوفه من استفحال الظاهرة لتصل إلى ما تم تداوله على المواقع بخصوص أستاذ يصور حالة غش بشكل مباشر من مركز امتحان، كان يفترض فيه أن يحول دونها، لافتا إلى أن” الظاهرة لا يمكن عزلها عما تعرفه المواقع الاجتماعية من تسابق وتهافت على نيل الإعجاب ورفع المشاهدات”.
ويرى الباحث التربوي ذاته أن مكانة الأستاذ تفرض عليه التزام مجموعة من الضوابط، خصوصا أنه الوحيد الذي يطلع على أوراق التحرير، داعيا الوزارة المعنية إلى التعامل بشكل جدي مع الظاهرة حتى لا تستفحل أكثر