جريدة أرض بلادي – اسماء بومليحة –
في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، أصبحت القراءة، التي لطالما كانت صفة مميزة لأمة “اقرأ”، في تراجع مقلق. فمع هيمنة الوسائل الحديثة وسرعة الوصول إلى المعلومات في بضعة أسطر، تغيّرت عادات الإنسان في التعلّم والمعرفة، لتتحوّل من البحث والتمحيص إلى مجرد ضغط زر للحصول على إجابات سريعة.
لقد أدى هذا الزخم التكنولوجي، مقرونًا بتزايد المحتوى التافه والإعلانات الموجهة، إلى طرح تساؤلات جوهرية: أين أصبح موقع الإنسان وسط كل هذا؟ أين هي ذاته؟ وما رسالته الحقيقية في الحياة؟ هل تحوّلنا إلى كائنات آلية فاقدة للصبر والقدرة على التأني؟
المشهد الثقافي اليوم يعكس هذه التحولات بوضوح. المكتبات باتت شبه فارغة من القرّاء، والكتب تكدّست على الرفوف دون من يلمسها. وحتى المؤسسات التعليمية لم تسلم من تأثير هذه الموجة التكنولوجية؛ فالذكاء الاصطناعي بات يتدخل في أبسط تفاصيل العملية التعليمية. مواقع خاصة بحل الواجبات والتمارين أصبحت بديلاً للبحث الفردي والعمل الجماعي، مما يهدد بتآكل المهارات الفكرية والاجتماعية للمتعلمين.
التأثيرات السلبية لهذه الظاهرة لا تتوقف عند حدود التعلم السريع. فالاعتماد على التكنولوجيا بشكل مفرط ينعكس سلبًا على الذاكرة، ويؤثر على الجهاز العصبي، ويضعف القدرة على التحليل والنقد. ومع هذا الواقع الجديد، يتساءل الكثيرون: هل نحن على مشارف عصر جديد يهدد فيه الذكاء الاصطناعي اجتهاد الإنسان وثقافاته العميقة؟
إن التحدي الحقيقي اليوم يكمن في تحقيق توازن بين الاستفادة من التكنولوجيا والحفاظ على هوية الإنسان الفكرية والثقافية. العودة إلى القراءة والتأني، وإعادة اكتشاف الذات ورسالتها، قد تكون بداية الحل. فالمعرفة ليست مجرد معلومة، بل رحلة بحث وتأمل تسهم في بناء الإنسان على مستوى أعمق.