إبن الريف المقاوم ….محمد لخضير حمو الطاهر الحموتي ( الجندي الافريقي).

جريدة أرض بلادي// أحمد المرس 

 بصفتي عضو المكتب التنفيذي، و منسق جهة الشرق للمنظمة المغربية للملكيين عبر العالم، تجمعني اللقاءات بالعديد من الشخصيات على المستوى، المحلي، و الوطني، و الدولي، ومن أبراز هده اللقاءات… و خلال زيارات “السيد رئيس دريس الغزالي” و أعضاء المكتب التنفيذي للمنظمة المغربية للملكيين عبر العالم ، لبني أنصار كنا نلتقي بالعديد من الشخصيات و من أبرزها… إبن المقاوم المغربي الراحل محمد لخيضر الحموتي في بني أنصار و كذلك تجمعني به علاقة أخوية و الصداقة ، وخلال التحدث مع رجل تلمس فيه الصدق و العفوية،! وتشتم رائحة تاريخ المغربي، الأمازيغي، الحر، حين كنا نزور البيت الكبير للعائلة بحي الحمومتيين ببني أنصار … ترددت كثيرا و فكرت ماليا قبل كتابة هده الاسطر من خوف،؟؟ أن أكن مقصرا في حق هدا الرجل، و عائلته المناضلة و في حق المقاومة المغربية ككل ، لأنه في الأصل انا من أحفاد المقاومة.

في البداية من هو محمد الخضير الحموتي.

هو محمد لخضير حمو الطاهر الحموتي، المزداد يوم 01 فبراير 1936 ببني أنصار بإقليم الناظور، إبن عائلة ريفية عرفت باشتغالها في التجارة منذ القدم، وكان والد محمد الخضير (حمو الطاهر) التاجر الوحيد تقريبا في بني أنصار الذي كان يعمل على جلب السلع من مليلية المحتلة وتوزيعها على التجار الريفيين بمختلف مناطق الريف والمغرب عموما، وكان يتوفر على خزائن ضخمة للمواد الغذائية في الناظور وبني أنصار، ولما كبر الإبن (محمد الخضير) اشتغل في التجارة رفقة أبيه ببني أنصار ، وبحكم موقع عائلة “الحموتيين” في مجال المال والأعمال كانت تربط محمد الحضير و والده حمو الطاهر علاقات وطيدة مع كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين وكذا رجال المال والأعمال الإسبان بمليلية المحتلة.

يرتبط اسم المقاوم المغربي محمد الخضير الحموتي، ارتباطا وثيقا بالثورة الجزائرية، حيث كان من أبرز داعميها واستضاف قادتها في منزله ببني أنصار مدينة الناظور، وانتهى به الأمر مفقودا في الجزائر في سياق الأزمة التي أعقبت حرب الرمال، ولا يزال مصيره مجهولا.

يجهل الكثيرون من يكون محمد الخضير الحموتي الذي كان يلقب بـ”الجندي الإفريقي”، والذي لعب دورا بارزا في الثورة الجزائرية، ويعود ذلك بالأساس إلى تجاهله من قبل المؤرخين الرسميين في الجزائر.

وكان كبار القادة الجزائريين كابوضياف، وبن بلة، وبومدين، وعبان رمضان، يعتبرون بيت محمد الخضر مقرا لهم في المغرب، وكان يستقبلهم فيه باستمرار.

و حسب ما يروي لنا خلال كل اللقاءات، ابن المقاوم محمد الخضير ، أن أباه وضع أمواله وشبكة معارفه وسفنه، في خدمة الثورة الجزائرية، حيث كان يوفر الأسلحة للثوار انطلاقا من مدينة مليلية المحتلة، و في حديث مطول خلال جلسة شاي بالمركب الثقافي بالناظور ، قال لي نجله “الخضير ” كان والدي يعرف جيدًا من أين يحصل على الأسلحة بفضل شبكاته في إسبانيا وجبل طارق، خبرة اكتسبها مع جيش التحرير المغربي، كانت سفينته فيكتوريا وميليلو (1) و ميليلو (2) تعمل على نقل الأسلحة للجزائريين مجانًا.

-وتابع قائل للأسف الجزائريون يتذكرون السفينة المصرية دينا وينسون مساهمة سفن والدي، لم تقتصر مساهمته على نقل السلاح، فقد جعل ممتلكات الأسرة في أيدي مسؤولي جبهة التحرير الوطني، كهواري بومدين، وكريم بلقاسم، وفرحات عباس، وحسين آيت أحمد ومحمد بوضياف ، وزاد قائلا علاوة على ذلك فإن أحد إخواني يدعى بوضياف، وهو ما يفسر العلاقة الأسرية التي جمعت والدي بقادة جبهة التحرير الجزائرية.

ولم يقتصر دور محمد الخضير الحموتي، على الدعم، فقد كان حاضرا في مؤتمر الصومال السري الذي عقد في شهر غشت من سنة 1956، كما شارك في تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، وقال نجله كان بإمكانه الانضمام إلى الحكومة التي قادها فرحات عباس لو وافق على التخلي عن جنسيته المغربية ، بعد استقلال الجزائر عام 1962، قرر محمد الخضير العودة والاستقرار في المغرب، لكن اندلاع حرب الرمال بين المغرب والجزائر سنة 1963، جعلته يعود إلى الجزائر، ليختفي أثره بعد ذلك.

و قد بث الناشط الجزائري هشام عبود المقيم في فرنسا قبل أيام خلال شهر فبراير الجاري في قناته على اليوتوب فيديو يجمعه بإبني المقاوم المغربي الراحل محمد لخضير الحموتي في مدينة بني نصار إقليم الناضور، تم فيه التطرق إلى المساهمة الكبيرة للمقاوم الراحل في دعم جيش التحرير الجزائري بجعل بيته مأوى لقادة الثورة الجزائرية أحمد بن بلة ومحمد بوضياف ومحمد خيضر والعربي بن مهيدي وعبد الحميد بوصوف والهواري بومدين وعبد العزيز بوتفليقة، وغيرهم من أفراد جيش التحرير، فضلا عن مشاركتهم التعريف بالثورة الجزائرية وجلب الدعم الدولي لها وتسخير باخرتين في ملكيته لتهريب السلاح للثورة الجزائرية، مما عرضه في سنة 1955 للاعتقال في مليلية المحتلة.

وأظهر الجزائري عبود في الفيديو وثائق، في ملكية عائلة الحموتي من بينها تقارير سرية لوزارة التسليح والاتصالات العامة الجزائرية(المالغ) ، التي شكلت النواة الأولى لجهاز المخابرات الجزائري خلال الثورة وبعد الاستقلال…؟ وصور للحموتي مع قادة الثورة، داعيا إبنه إلى مراسلة القنصلية الجزائرية في وجدة لتسليمها إلى السلطات الجزائرية، بذريعة أنها تندرج ضمن أرشيف الثورة الجزائرية وملك للجزائر ومكانها هو متحف المجاهد في مقام الشهيد في العاصمة الجزائرية.

ولم يكتف عبود بهذه الدعوة، بل انتقد في فيديو لاحق بمفردات غير لائقة المغاربة الذين عارضوا تسليم تلك الوثائق إلى السلطات الجزائرية.

والواقع أنه يجب الدفاع عن بقاء هذه الوثائق في المغرب ومن المستحب تسليمها إلى المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، التي أبدت اهتماما كبيرا بصيانة الذاكرة المشتركة المغربية الجزائرية إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر، وأصدرت قبل سنوات كتابين حول الدعم المغربي الكبير للثورة الجزائرية.

ويستند عدم تسليم هذه الوثائق إلى النظام الجزائري، إلى التعامل غير الإنساني لهذا النظام مع المقاوم محمد الخضر الحموتي، الذي قيل أنه زار الجزائر في سنة 1964 وهو ملحق بديوان المغفور له الملك الحسن الثاني، في محاولة لرأب الصدع بين البلدين عقب حرب الرمال في سنة 1963، وتم اغتياله في الجزائر. وتردد أن النظام كان وراء تصفيته ، متنكرا لكل ما أسداه المقاوم محمد الخضير الحموتي من دعم وإسناد للثورة الجزائرية، علما أنه كان من المفروض أن يوفر له الحماية الرسمية أثناء مقامه بالجزائر، بصفته موظفا ساميا في الدولة المغربية.

والمعطى الثاني الذي يعزز إبقاء وثائق عائلة المقاوم محمد الخضير الحموتي المتعلقة بالثورة الجزائرية في المغرب هو أن النظام الجزائري يواصل منذ الاستقلال وبلا هوادة الإجهاز على الذاكرة المشتركة المغربية الجزائرية وطمس كل ما يشير إلى دعم المغرب ملكا وشعبا للثورة الجزائرية من أجل التحرر من الاستعمار الفرنسي، معتبرا هذا الإجهاز وسيلته الوحيدة لشحن الشعب الجزائري وجره إلى اعتناق عقيدته القائمة على العداء للمغرب.

وبما أن السيد هشام عبود اقترح على عائلة الحموتي نقل الوثائق إلى متحف المجاهد في العاصمة الجزائرية، نذكره بأن الراحل المناضل عبد الرحمان اليوسفي قام في بداية سنة 2016 بزيارة هذا المتحف، على هامش حضوره تشييع جنازة صديقه المجاهد حسين أيت أحمد، وكم كانت دهشته كبيرة وهو يلاحظ أن المرشد الذي رافقه في المتحف لم يدله على أية وثائق أو آلات ومعدات للثورة الجزائرية في المغرب. وعندما طلب رؤيتها دله المرشد على نزر قليل منها، علما أن ما كانت تتوفر عليه وزارة التسليح والاتصالات العامة (المالغ) من وثائق وآلات رقن وغيرها من المعدات في المغرب ونقلته إلى الجزائر، يكفي لتأثيث متحف كبير، لكن تلك الوثائق تم دفنها في مقر وزارة الدفاع بعد نقلها من المغرب، في سياق هاجس النظام الجزائري الذي كان دائما هو الإصرار على طمس كل ما علاقة له بدعم المغرب للثورة الجزائرية

ومن الأسباب الموجبة لإبقاء وثائق عائلة المقاوم محمد الخضير الحموتي في المغرب أنها تتعلق ببعض التقارير التي تم إنجازها في بيت المقاوم الحموتي، فضلا عن الصور الذي جمعته بقادة الثورة الجزائرية في المغرب ، بما يجعلها ملكا خالصا لعائلته، لا يجب تسليمها لنظام جزائري معروف بالجحود و يعمل منذ عقود على طمس كل التضحيات التي بذلها المغرب الرسمي والشعبي من أجل نيل الجزائر استقلالها.

ويجب أن تتضافر جهود الجهات المختصة وأصحاب النوايا الحسنة للحفاظ على تلك الوثائق في المغرب، وتوظيفها في صيانة الذاكرة المشتركة المغربية الجزائرية أثناء حرب التحرير الجزائرية وإبقاء شعلتها متقدة في مواجهة محاولات الإنكار والطمس التي يمارسها النظام الجزائري لخدمة عقيدته القائمة على العداء للمغرب وتدبير المؤامرات للإضرار به وضرب وحدته الترابية.

شعارنا الخالد : الله . الوطن . الملك