في السنوات الأخيرة بدأ المغرب يولي اهتماما كبيرا في سياسته الخارجية للقارة الإفريقية، إذ تكررت زيارات الملك محمد السادس إلى بلدان القارة السمراء؛ ناهيك عن المشاريع المفتوحة هناك، إضافة إلى الشراكات الإستراتيجية والاقتصادية التي تشمل عدة قطاعات حيوية؛ فيما توج هذا التوجه بعودة المملكة إلى الاتحاد الإفريقي، أضف إلى ذلك تقديمها طلب الانضمام إلى المجموعة التجارية لبلدان غرب إفريقيا.
توجه المغرب صوب القارة الإفريقية يقابله الابتعاد عن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ بات غياب الملك محمد السادس عن القمم العربية متكررا، إضافة إلى غياب أي شراكات أو مشاريع تربط المملكة ببلدان المنطقة في الفترة الأخيرة؛ وهو ما يوحي بإمكانية توجه البلاد للخروج من المنطقة الجيوسياسيية المسماة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
رضا الفلاح، المتخصص في العلاقات الدولية، يقول إن تحليل خيارات السياسة الخارجية للمغرب في السنين الأخيرة يمدنا ببعض المؤشرات القوية على وجود رؤية جيواستراتيجية تسير وفقها المملكة المغربية في علاقاتها مع محيطها الإقليمي الأفريقي، وزاد: “هذه الرؤية تحمل عنوانا عريضا هو تحريك مؤشر التموقع الجيوسياسي نحو غرب إفريقيا على حساب العالم العربي المترنح تحت ضغط الصراعات الإقليمية والحروب الداخلية”، على حد قوله.
ويؤكد أستاذ القانون الدولي بجامعة ابن زهر بأكادير، في تصريح لهسبريس، أنه يمكن اختزال هذه المؤشرات في خمس نقاط محورية، أولها “الحرص على التشبث بما يعرف بالاستثناء المغربي عن طريق تعزيز مناعة الحقل السياسي المغربي ضد رياح الخريف العربي التي أهلكت الحرث والنسل في بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، حسب تعبيره.
أما ثاني المؤشرات التي جاء الفلاح على ذكرها هي “حرص المملكة على النأي عن القمم العربية التي ينظر إليها باعتبارها مناسبات لتعميق الانقسامات العربية”؛ فيما المؤشر الثالث بحسبه هو “توسيع هامش الحركة ودائرة البدائل في صناعة قرارات السياسة الخارجية بالعمل على عقد شراكات براغماتية مهمة مع دول كبرى مثل روسيا والصين”، مضيفا: “وهو ما شأنه تحصين استقلالية القرار الخارجي في وجه المحاور والتحالفات التي يتم تصميمها بعناية من أجل إنزال مشروع الشرق الأوسط الجديد على أرض الواقع؛ وهو المشروع القائم على تمزيق الدول وإعادة رسم حدودها”.
ويعتبر الفلاح أن المؤشر الرابع هو “الرهان على القارة الإفريقية كخيار إستراتيجي لبناء نمطين متكاملين من التحالفات. ويتعلق الأمر بنمط التعاون جنوب- جنوب المقترن بنمط مواجهة الهيمنة القطبية التي تفرضها جنوب إفريقيا، وإعادة التوازن إلى منظومة العلاقات السياسية والاقتصادية القارية”. أما المؤشر الخامس فهو “توجيه بوصلة التموقع الجيوسياسي نحو فضاء غرب إفريقيا، وهو ما يمكن قراءته من خلال طلب الانضمام إلى الإيكواس، مجموعة دول غرب إفريقيا”، وفق تعبيره.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن هذا الخيار الإستراتيجي يكتسي بعدين رئيسيين؛ “البعد الاقتصادي المرتبط بالمساهمة في تحويل المعادلة الجيوسياسية إلى مشاريع كبرى وخطط اقتصادية يرتقب إثرها مراكمة زخم من التحولات المهيكلة لفضاء جيوسياسي متفرد على الواجهة الأطلسية، إذ تتطلع المملكة إلى التوظيف الأمثل لموقعها ومكانتها كحلقة تصل غرب إفريقيا بالاتحاد الأوروبي”.
فيما البعد الثاني “يكتسي طابعا أمنيا ويهدف إلى تنسيق الجهود وتجميع الإمكانيات بهدف استباق مخاطر الإرهاب التي تخيم على منطقة الصحراء والساحل، ولمواجهة خطط إسقاط الدول في مستنقع النزاعات المسلحة”، على حد قول الفلاح.