الاجتماعي والسياسي في “أسلاك شائكة” للروائي مصطفى لغتيري خديجة محو

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

 

رواية أخرى رائعة ومشوقة للكاتب” مصطفى لغتيري” تحت عنوان”أسلاك شائكة “في طبعتها الثالثة(2018)،عدد صفاحاتها82 صفحة،وقد صدرت عن منشورات غاليري للأدب في كبعتها الثالثة ،وتتكون من تسعة فصول.

تقارب هذه الرواية موضوعا غاية في الأهمية، وهو الموصوعةالذي يطرق لأول مرة مغربيا وعربيا، من طرف الكاتب” مصطفى لغتيري”ويتعلق الأمر بمشكل إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر ، وقد تم اقتباس أحداث هذه الرواية وتحويلها الى فيلم سينمائي بعنوان”الوشاح الأحمر”. وقد ركزت أحداث الرواية على مدى تأثير إغلاق الحدود على الأسر المغربية والجزائرية على حد السواء، إبان حرب الرمال(1963)او بعد المسيرة الخضراء(1975).

استمد الكاتب مادة روايته الخام من حدث تاريخي تمثل في تهجير مواطنين مغاربةمن الأراضي الجزائرية، بدوافع سياسية شكلت قناعة لدى اصحاب القرار من الجزائرين، والتي رحلت مواطنين أرغمتهم الظروف على الأقامة في البلد الشقيق، وما أفرزه من معاناة تعددت تجلياتها ومظاهرها، وتنوعت تبعاتها على الأسر المرحلة، التي عانت الأمرين، التهجير، والبعد عن عائلاتهم وذويهم، وخصوصا الزوجة والأطفال،لم يركز الكاتب على الجانب السياسي في الرواية، بل سلط الضوء على الجانب النفسي والاجتماعي، الذي يأثر على المشاعر والعواطف الإنسانية ،ينقسم نسق الرواية الى محورين أساسين، تمثلا في تهجير” احميدة”المغربي وإبعاده عن زوجته “الزاهية” دون مراعاة لمشاعرهما، وهما في أمس الحاجة إلى بعضهما خاصة أنهما ينتظران مولودهما الأول، الذي تمناه “احميدة” أن يكون ولدا، “بالتأكيد سيجعل فيه صديقا وأخا سيلاعبه، وحين يشتد عوده يسجله في المدرسة”ص:23.لكن احميدة رزق بطفلة أسمتها أمها”مهدية”التي لم تنعم برؤية والدها، جراء ماتعرض له من طرد تعسفي، في الجهة المقابلة نجد”راضية” المغربية المتزوجة بجزائري،والتي عانت بدورها من التهجير التعسفي لتتقاطع مع احميدة مصيرا مريرا،حافلا بمشاعر اليأس والخذلان،والتي استسلمت لمصير مأساوي،دفنت فيه كل القيم ومقومات صمودهاأمام الانحراف والانحلال الأخلاقي،في استسلام صادم لم يتخيله “احميدة” الذي لاطالما كان لديه تصور عن نبل وطهارة راضية”اخذت كلما التقينا في الطريق اوتقاطعا على الرصيف،ترسم على شفتيها ابتسامة خجلى تجود بها عليه.ص:48

ليعرف بعذ ذلك أنها أيضا كانت ضحية التهجير القسري،”أنا كذلك تعرضت لنفس المصير زوجي وأبنائي لايزالون في الجزائر،بينما أنا طردت إلى المغرب”ص:63،حكت راضية لحميدة حكايتها وحكى هو لها حكايته،”ليكتمل شكل مأساة الترحيل ،وتتكامل اطرافها وخطواتها،لا أحد يجرؤ على ارتكاب هذا الجرم،الزوجة تنزع من زوجها وأبنائها ،والزوج يرحل عن زوجته وابنائه”ص:64

لقد وظف الكاتب في هذه الرواية عدة شخصيات والتي أسهمت في تطورها وتفاعلها مع الأحداث التي عانى منها الشعبان ،وقد أبرز مظاهر التطابق في الحياة الاجتماعية البسيطة بين الشعبين الشقيقين ،وأيضا مظاهر التشتت والتفكك الأسري،والعلاقات الاجتماعية بين شعبين كان تجمعهما صلة الدم قبل رابطة الجوار والتاريخ،وبما أن الكاتب المغربي “مصطفى لغتيري”كاتب مثقف وذكي، فقد حول القضية السياسية الى قضية اجتماعية ،والتي لم تجد حلا إلى يوم الناس هذا،كما تمليه ظروف الشخصيات الروائية،والتي مازالت تعاني من جراء هذه الواقعة .

الرواية تؤرخ للهامشي والمنسي،وقدخلص الكاتب الى كون البلدان معا يتحملان المسؤولية فيما حدث ويحدث،مشددا على أنه يجب الانكباب على المشاكل الانسانية لحلها،ولا نتظر حتى تحل المشاكل السياسية .