دأب المغاربة على الاحتفال بيوم عاشوراء، الذي يصادف يوم العاشر من شهر محرم، حيث يقومون بإحياء عادات وتقاليد ذات طبيعة احتفالية غالبا، تتجلى أبروز مظاهرها في اقتناء الفواكه الجافة وشراء اللعب والملابس للأطفال، وإيقاد النار والتراشق بالماء.
إذا كان يوم عاشوراء يشكل في عدد من بلدان المشرق العربي خاصة التي تعرف تواجدا كبيرا لمعتنقي المذهب الشيعي، مناسبة للحزن والبكاء على مقتل سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه، فإن المغاربة يمزجون بين الفرح الحزن في هذه المناسبة.
وعلى عكس الشيعة الذين الدين يتخذ الحزن عندهم في هذه المناسبة مظاهر متعددة تصل إلى حد جلد الذات، فإن مظاهر الحزن في المغرب تقتصر على الأهازيج وبعض أغاني المحتفلين، مع حضور قوي لمظاهر الفرح، خاصة عند الأطفال.
وتبدأ استعدادات المغاربة للاحتفال بيوم عاشوراء، بحلول شهر محرم، حيث يكثر الإقبال على المحلات التي تبيع التمور والفواكه الجافة من تين وتمر وجوز ولوز وكاكاو وحمص وحلوى، ويعتبر اقتناؤها لدى الأسر المغربية أحد لوازم الاحتفال، ويعد استهلاكها وتفريقها على الأهل والجيران وأطفال الحي مظهرا من مظاهر الاحتفاء بعاشوراء.
ويتم ذلك بالتزامن مع شراء الآباء هدايا لأبنائهم، وتتشكل غالبا هذه الهدايا من مسدسات مائية و”البنادر” و”التعارج” وغيرها من اللعب التي يكثر عرضها مع اقتراب هذه المناسبة.
وخلال ليلة العاشر من شهر محرم يقوم الأطفال باضرام النيران في الأخشاب وأغصان الاشجار التي جمعوها، ثم يلفون حولها مرددين بمعية الفتيان والنساء أهازيج خاصة بهذه المناسبة، مرفوقة بالضرب على الدفوف والتعاريج…
لا علاقة للشيعة باحتفال المغاربة بعاشوراء
وفي تعليقه على مظاهر احتفال المغاربة بعاشوراء قال مصطفى بنحمزة رئيس المجلس العلمي لمدينة وجدة وعضو المجلس العلمي الأعلى، مصطفى بنحمزة ليابلادي، إن “قضية الاهتمام بالسنة الهجرية الجديدة هو كان أسبق من ظهور التشيع، والتشيع جاء متأخرا بعد ما وقع بين علي ومعاوية”.
وأضاف بنحمزة أن النبي (ص) لما دخل المدينة وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسأل عن ذلك فقالوا له “هذا يوم أنقد فيه الله موسى من الغرق فقال نحن أولى بموسى منهم، فإن عشت إلى قابل لأصومن التاسع، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أسس مبدأ الاحتفال بعاشوراء”.
وأوضح بنحمزة أن صيام تاسع وعاشر محرم من السنة قبل أن يظهر التشيع، وأبرز أن اهتمام المسلمين بالأيام الأولى من شهر محرم يعود أيضا إلى “عمل آخر هو اهتمام عمر بن الخطاب بحدث الهجرة، فلما كان الناس أمام تأريخ لأي حدث من الأحداث، لم يؤرخوا بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالبعثة، وإنما اختار عمر أن يؤرخ بالهجرة فاعتبر بداية التاريخ الاسلامي هو تاريخ الهجرة”.
وأكد أن ما أحدثه “الشيعة فيما بعد جاء في سياق حدث تاريخي لاحق، فتعلق الشيعة بمقتل الحسين بكربلاء، فبقي هذا خاصا بهم، وتصادف مقتل الحسين مع بداية السنة الهجرية، فالشيعة لم يهتموا بالهجرة أو بما وقع لنبي الله موسى، وإنما اهتموا بمقتل الحسين”.
وعن نسب بعض مظاهر احتفال المغاربة بعاشوراء للشيعة قال بنحمزة إن المغاربة “إما أنهم يتأثرون ببعض الوقائع ولكنها ليست بالضرورة شيعية، لأنه كانت هناك وقائع سابقة على الاسلام في المغرب، ربما تستحضر في هذا اليوم وتستعاد في مثل هذه المناسبات…، ولكن ليس من الضروري أن نقول إن الشيعة هم من أحدثوا هذا، لأنه هذا قول لا دليل عليه، إذا كنا نستغل فقط التشابه بين المناسبات فهذا ليس فعلا علميا…طبعا التشيع مر بالمغرب ولكن لمغاربة أنهوه”.
الاحتفال بعاشوراء في المغرب تقليد شيعي والوهابية تسعى لتدميره
من جهة أخرى قال الناشط الشيعي المغربي عصام حميدان الحسني في تصريح لموقع يابلادي “إن القول بأن عاشوراء تقليدي شيعي يعني بالضرورة وجود سند تاريخي محلي وجذور ثقافية واجتماعية ولو في مستوى الذاكرة الجماعية للمغاربة والثقافة الشعبية الجامعة للرموز والأمثال والعادات والتقاليد”.
وأضاف أن “المستشار الملكي الدكتور عباس الجراري ألف منذ التسعينيات كتابا حمل اسم (عاشوراء عند المغاربة) واستدل فيه من خلال الرموز والعادات والتقاليد على وجود عادات شيعية وأخرى أموية من خلال تباين الانماط الاحتفالية بعاشوراء حزنا وفرحا بحسب المناطق ..وهذا الامر مرتبط بتعدد روافد الثقافة الاسلامية المغربية منذ الدولة الادريسية فالفاطمية وصولا لدولة بني حمود بالاندلس”.
كما أكد أن “هناك مخطوطات بالمغرب نشرت في العقد الاخير لا تثبت فقط ان المغاربة احيوا عاشوراء بالحزن على سيد الشهداء وشباب اهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام بل ان هذه المخطوطات اثبتت ان مصطلح الحسينية لم يكن له وجود إلا في اطار الدولة الحمودية بمالقا وذكرت ان المكان الذي كانوا يجتمعون فيه اسمه (الحسينية) وان القارئ لقصائد رثاء الحسين ع كان يسمى ب (المحسن) وانهم كانوا لا يصومون عن الاكل والشرب طيلة تسعة ايام من بداية محرم”.
وزاد قائلا إنه ” في مناطق جنوب المغرب نجد الناس تحرم الكنس والطبخ بالعاشر من محرم، وتلبس السواد وبعضهم يشعل النار وبعضهم يرمي بالماء، لان الحسين عليه السلام قتل عطشانا، هو وأهل بيته وحرموا من قبل عدوهم من شرب ماء الفرات ولم يكن يجري بعيدا عنهم لذلك. فالحديث عن عاشوراء هو حديث عن واقعة أليمة، خلدها المغاربة بأشكال تعبيرية مختلفة وهي جزء اساسي من ثقافتنا الشعبية التي تسعى الوهابية لتدميرها وإحلال ثقافة الفرح بالعاشر محلها، ووضع اكاذيب من كون اليوم هو يوم بركة وتلفيق وقائع لكل نبي في هذا اليوم بما يبعد الناس عن الوقوف على الحقيقة المرة والانحراف الخطير التي عرفته الامة الاسلامية في وقت مبكر بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه واله عن الدنيا”.