البروفيسورة رجاء أغزادي.. المرأة الفولاذية بقلب نابض بالإنسانية

     تحرير نصيرة بنيوال ـ جريدة أرض بلادي

في يوم المرأة العالمي، لا نحتفي فقط بالنساء، بل نحتفي بالنماذج التي تعيد تعريف القوة، بالعقول التي تتحدى المستحيل، وبالقلوب التي تنبض حبا للإنسانية. ومن بين هؤلاء، تتألق البروفيسورة رجاء أغزادي، طبيبة و جراحة، قائدة و إنسانة، وسفيرة للصحة في العالم.

          بين الصلابة و الرقة.. امرأة تصنع الفرق

هي امرأة فولاذية، لكن ليس في قسوة الحديد، بل في صلابتها أمام التحديات، في إصرارها على اختراق عالم الجراحة، في قدرتها على تحويل الألم إلى أمل. و مع ذلك، فهي تحمل قلبا مرهفا، يلمس معاناة النساء اللواتي يواجهن السرطان، ويحتضن آلامهن بحب و دفء. قوة قرارها لا تلغي رقتها، بل تجعلان منها امرأة استثنائية تمزج بين الحزم و العاطفة، بين المهنية والإنسانية.

      طموحٌ سابق لزمنه.. و التفوق عادة وليست صدفة

منذ صغرها، لم تكن رجاء أغزادي فتاة عادية، بل طفلة تحمل طموحا أكبر من سنها. أن تصبح طبيبة لم يكن مجرد حلم، بل كان قدرا خطته بإرادة لا تلين. تفوقت في دراستها لتصبح أصغر خريجة في دفعتها، ثم اجتازت اختبارات الطب بتفوق جعلها أول امرأة مغربية تحصل على مرتبة “الماجور” في المسابقة الجامعية للطب. لم يكن الطريق مفروشا بالورود، و لكنها جعلت العلم درعها، و الطموح سلاحها.

عندما تصبح المهنة رسالة.. “قلب النساء” ينبض بالحياة

لم تقف عند حدود نجاحها الشخصي، بل قررت أن تكرس حياتها لمنح الأمل للآخرين. أسست الجمعية المغربية لمحاربة سرطان الثدي “قلب النساء” سنة 2001 ، ليس فقط لتقديم العلاج، و لكن لإحداث ثورة في وعي النساء بأهمية الكشف المبكر، لأن الصحة ليست رفاهية، بل حقٌ لكل امرأة. لم تكتف بالعمل داخل حدود المغرب، بل امتد عطاؤها ليشمل قارة بأكملها، حيث جابت دول إفريقيا تحمل رسالة الحياة، مؤكدة أن الطب ليس مهنة، بل عهدٌ مع الإنسانية.

                  ثقة ملكية و مسؤولية وطنية

حين يختار الملك شخصية لتمثيل مستقبل الوطن، فذلك اعتراف بقيمتها و تأثيرها. كان هذا حال رجاء أغزادي حين حظيت بثقة جلالة الملك محمد السادس ، الذي عينها عضوا في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، إيمانا بدورها الفعّال في بناء مغرب صحي و مزدهر. هذا التقدير لم يكن مجرد تكريم، بل مسؤولية أضافت إلى مسيرتها بعدا جديدا من العطاء و التأثير.

حضور عالمي و مشاركة في أبرز المنتديات الدولية

لم يكن تأثير البروفيسورة رجاء أغزادي محصورا في حدود الوطن، بل تجاوز ذلك إلى الساحة الدولية. في 15 نوفمبر الماضي، شاركت في منتدى Crans Montana الذي عُقد في جنيف، و هو حدث مرموق يجمع شخصيات بارزة من الدوائر الدبلوماسية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

في هذا المنتدى، كانت لها مشاركة فعّالة في مناقشة قضايا السيادة الغذائية و السيادة الصحية، حيث ألقت الضوء على التحديات العالمية في هذه المجالات، و قدّمت حلولًا مبتكرة لتعزيز صمود الأنظمة الصحية و الغذائية. كما كان الحدث فرصة للقاءات مهمة و تبادل الأفكار مع شخصيات دبلوماسية رفيعة المستوى، مما يعكس دورها المتزايد كصوت مؤثر على الساحة الدولية.

إلى جانب ذلك، تحرص السيدة رجاء أغزادي على حضور العديد من المؤتمرات الدولية، حيث تساهم بفعالية في النقاشات حول الصحة العامة، الأمراض المزمنة، و سبل تطوير الرعاية الطبية، مؤكدة أن العلم و العمل الإنساني لا يعرفان حدودا.

   المرأة التي لم تعرف حدودا.. الإنسانية جواز سفرها

لقبوها بـالقنصل الفخري، لكنها في الحقيقة سفيرة للصحة، تجوب العالم ليس بجواز دبلوماسي، بل بجواز الإنسانية. حملاتها وصلت إلى دول مثل غانا، السنغال، النيجر، مالي، وأوغندا..، حيث لا فرق عندها بين امرأة مغربية و أخرى إفريقية، فالمعاناة واحدة، و الأمل الذي تحمله في قلبها لا يعرف الحدود.

هوية مغربية راسخة.. و تمغربيت بأناقة القفطان

رغم حضورها العالمي، لم تنسى السيدة رجاء أغزادي أصولها المغربية، بل جعلت من هويتها عنوانا لفخرها. ويتجلى ذلك في حرصها على ارتداء القفطان المغربي في المناسبات الرسمية خارج الوطن، بأسلوب راقٍ يدمج بين الأصالة والأناقة. فهي تؤمن أن تمغربيت ليست مجرد انتماء، بل هوية تعكسها التفاصيل، من القيم التي تحملها إلى الأزياء التي ترتديها، لتكون سفيرة لوطنها ليس فقط في مجال الصحة، بل في كل جانب من جوانب الحياة.

رسالة إلى كل امرأة.. “كوني ما تريدين أن تكوني”

رجاء أغزادي ليست فقط جراحة، أو رئيسة جمعية، أو خبيرة في النموذج التنموي. إنها رسالة لكل امرأة بأن لا شيء مستحيل. أن القوة ليست في التخلي عن المشاعر، بل في امتلاك قلب قادر على الحب و العطاء رغم المشاق. أن تكوني قوية لا يعني أن تكوني بلا إحساس، بل يعني أن تصنعي من أحاسيسك وقودا للنجاح.

       تحية لهذه السيدة.. في يوم المرأة و كل يوم

في اليوم العالمي للمرأة، لا نكتفي بالاحتفاء بالسيدة رجاء أغزادي، بل نتعلم منها. نتعلم أن الأحلام الكبيرة تحتاج إلى شجاعة، و أن الإنسانية هي أعلى درجات النجاح، و أن المرأة ليست نصف المجتمع فقط، بل هي من تبني وتداوي وتلهم… و تغير العالم.

تحية لهذه السيدة العظيمة، سفيرة الصحة والإنسانية، البروفيسورة رجاء أغزادي التي جعلت من الجراحة فنا، و من الإنسانية علما، و من الطب رسالة حياة.