التفاعل الرقمي: مسؤوليتنا في تشكيل مستقبل الأجيال عبر شبكات التواصل الاجتماعي

ارض بلادي _تحرير/ نصيرة بنيوال

 

في عصر تتداخل فيه الحياة الرقمية مع حياتنا اليومية، و تغزو فيه شبكات التواصل الاجتماعي كل جوانب التواصل و التفاعل بين الأفراد، تزداد مسؤوليتنا الاجتماعية تجاه تأثير هذه الشبكات على الأجيال القادمة. لم تعد هذه المنصات مجرد وسائل ترفيهية أو تواصلية، بل أصبحت تؤثر بشكل عميق في تشكيل القيم و المعتقدات والسلوكيات، لاسيما لدى الأطفال و المراهقين الذين يشكلون النسبة الأكبر من مستخدمي هذه الشبكات.

 

نحن جميعا مطالبون أن نعي أن تفاعلنا مع المحتوى على هذه الشبكات، سواء بالإعجاب أو المشاركة أو حتى التعليق، يساهم بشكل مباشر في تحديد نوعية المحتوى الذي يلقى رواجا ويجد طريقه إلى أذهان المتابعين. فعندما نمنح إعجابًا لمحتوى سطحي أو مبتذل، فإننا بذلك نضفي عليه نوعًا من الشرعية و القبول، مما يعزز من انتشاره و يوسع دائرة تأثيره. و بالتالي، يصبح هذا المحتوى المتدني و المغلوط قدوة يحتذى بها، و يعزز من نشر القيم السلبية التي يمكن أن تكون لها عواقب وخيمة على فكر و سلوك الأجيال الصاعدة.

 

لكن المسؤولية الاجتماعية لا تقتصر على أولئك الذين يتفاعلون مع المنشورات بنشاط، بل تشمل أيضا أولئك الذين يتابعون هذه الشبكات و لكنهم لا يتفاعلون معها. ففي عالم الانتخابات، مثلا ، نجد أن هناك من يختارون المشاركة و التصويت، وهناك من يتغافلون عن هذه المسؤولية. و رغم أنهم لا يظنون أنهم يُحدثون فارقًا، فإن تجاهلهم هذه المسؤولية يساهم في تشويه النتيجة النهائية. و هذا تماما ما يحدث في شبكات التواصل الاجتماعي ، فالمتابعون الذين يتجاهلون التفاعل مع المحتوى الجيد والمفيد، يساهمون بشكل غير مباشر في تعزيز المحتوى الضار و السطحي.

 

إن تقاعس البعض عن التفاعل بشكل إيجابي مع المنشورات، رغم متابعتهم للشبكات الاجتماعية، هو في الواقع مساهمة غير مباشرة في استمرار هيمنة المحتوى الهابط الذي لا يعكس قيمنا الأخلاقية والثقافية. و لهذا، فإن عدم التفاعل مع المحتوى الجيد لا يقل أهمية عن التفاعل مع المحتوى السيء. في الواقع، نحن جميعًا مسؤولون عن تشكيل البيئة الرقمية التي نعيش فيها، سواء عبر مشاركتنا النشطة أو عبر تقاعسنا عن دعم المحتوى الإيجابي.

 

المسؤولية الجماعية في الحفاظ على بيئة رقمية صحية

 

إن المسؤولية تجاه المحتوى الرقمي هي مسؤولية جماعية. نحن، كمجتمع، يجب أن نعي أن شبكات التواصل الاجتماعي ليست مجرد فضاءات شخصية، بل هي منصات تأثير جماعية تتطلب منا أن نتعامل معها بحذر و وعي. يجب أن نشجع على نشر المحتوى الذي يعكس القيم الإنسانية السامية، مثل الإبداع، و التعليم، والنقد البناء، بينما نرفض ونقاطع المحتويات التي تروج للعنف أو التفاهة أو التشويه الأخلاقي.

 

دور التربية في تشكيل هذا الوعي

 

لا شك أن الدور الأساسي في هذا السياق يقع على عاتق التربية. يجب أن تكون الأسرة و المدرسة و المجتمع بمثابة مرشدين للجيل الجديد في كيفية التعامل مع هذه الشبكات. فمن الضروري أن نغرس في أبنائنا و أجيالنا القادمة مبادئ التفكير النقدي، و التفاعل الواعي و المسؤول، و تعليمهم كيف يمكنهم أن يساهموا بشكل إيجابي في محيطهم الرقمي. إن بناء جيل واع قادر على التمييز بين ما هو نافع و ما هو ضار في هذا الفضاء اللامحدود هو التحدي الحقيقي.

 

تفاعلنا هو ما نصنعه …

 

إن مسؤوليتنا في عالم اليوم ليست فقط في كيفية تفاعلنا مع المحتوى، بل في كيف نساهم في خلق بيئة رقمية صحية ومفيدة. نحن كأفراد، سواء كنا آباء أو مربّين أو مستخدمين عاديين، علينا أن نكون أكثر وعيا تجاه تأثير تصرفاتنا في هذه الشبكات. إن التفاعل مع المحتوى يجب أن يكون مسؤولا ومبنيًا على قيمنا و تقاليدنا، ويجب أن نكون قدوة في نشر الوعي الرقمي و مقاطعة ما يؤثر سلبا في جيلنا.

 

في النهاية، ليس هناك من ينجو من هذه المسؤولية، فالتفاعل الإيجابي أو السلبي يؤثر في الجميع. نحن في عصر تتداخل فيه التكنولوجيا مع الحياة اليومية، و لا يمكننا أن نسمح للمحتوى الهابط أن يسود على حساب القيم السامية. يجب أن نكون جميعا مسؤولين عن الحفاظ على هذا الفضاء الرقمي، و ضمان أن يكون بيئة تعليمية، إبداعية، و صحية للأجيال القادمة.