جريدة أرض بلادي – بقلم: مجيد انهايري
في ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، تتجه الأنظار إلى ما بات يُعرف بـ”الحرب الصهيونية على إيران”، وهي حرب ليست جديدة في جوهرها، بل تأتي ضمن استراتيجية إسرائيلية طويلة الأمد لمنع أي دولة في المنطقة من امتلاك قدرات نووية قد تهدد تفوقها العسكري، أو توازن القوى الذي تسعى لفرضه بالقوة والردع.
تمتلك إسرائيل ترسانة نووية غير معلنة رسميًا، لكنها معروفة دوليًا، ويُقدر عدد رؤوسها النووية بما يتراوح بين 80 و200 رأس نووي، وفق تقارير غير حكومية. ورغم أن تل أبيب لم توقّع على معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، فإن المجتمع الدولي يغض الطرف عن هذا الواقع، في تناقض صارخ مع الضغوط الهائلة التي تُمارس على إيران، الدولة الموقعة على المعاهدة، والتي تؤكد أن برنامجها النووي سلمي بحت.
ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها إسرائيل إلى العمل العسكري لمنع مشروع نووي في المنطقة. ففي عام 1981، شنّ الطيران الإسرائيلي غارة على مفاعل “تموز” النووي العراقي، في عملية عُرفت باسم “أوبرا”، ما أدى إلى تدمير المفاعل وعرقلة طموحات نظام صدام حسين النووية. وتبدو اليوم ملامح المشهد مكرّرة، لكن على نطاق أوسع، وأكثر خطورة، مع إيران.
منذ سنوات، تقوم إسرائيل بعمليات استخباراتية وعسكرية مباشرة وغير مباشرة ضد البرنامج النووي الإيراني، شملت اغتيال علماء، وهجمات سيبرانية على منشآت مثل نطنز، وصولاً إلى تهديدات متكررة بضربة عسكرية مباشرة. ومع تصاعد التصريحات الإسرائيلية، وتكثيف التحركات العسكرية على حدود إيران، يبدو أن تل أبيب تُهيئ العالم لحرب لا تلتزم بالقانون الدولي ولا تعترف بحقوق الشعوب في التنمية والاستقلال التكنولوجي.
المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية تروّج لفكرة أن امتلاك إيران لسلاح نووي يشكل تهديدًا وجوديًا للدولة العبرية. لكن الواقع يُظهر أن إسرائيل تستخدم هذا “الخطر المحتمل” كغطاء لمواصلة فرض هيمنتها العسكرية في المنطقة، ومنع أي قوى إقليمية من امتلاك أدوات الردع. وبهذا، فإن الحرب على إيران ليست فقط حربًا وقائية، بل صراعًا من أجل بقاء التفوق الإسرائيلي دون منازع، حتى لو كان الثمن خرقًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، وتعريض الملايين في المنطقة للخطر.
تلعب الولايات المتحدة الأمريكية دورًا محوريًا في دعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، وهو دعم تاريخي واستراتيجي ينعكس بوضوح في مواقف واشنطن الثابتة في المحافل الدولية، والتي غالبًا ما توفر غطاءً دبلوماسيًا لإسرائيل، حتى في حالات انتهاكها الصريح للقانون الدولي. ويعود هذا الدعم إلى اعتبارات عدة، من بينها النفوذ الإسرائيلي القوي في السياسة الأمريكية، واللوبيات المؤثرة في مراكز القرار، إلى جانب اعتقاد راسخ لدى بعض صناع القرار الأمريكيين بأن حماية إسرائيل تصب في صميم المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط. ولهذا، فإن أي تحرك عسكري إسرائيلي ضد إيران غالبًا ما يتم بالتنسيق أو الغطاء الأمريكي، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو ضمنية.
الصمت الدولي، أو الاكتفاء ببيانات “القلق”، يعكس ازدواجية صارخة في التعامل مع الملف النووي في الشرق الأوسط. فبينما تُفرض على إيران عقوبات صارمة لمجرد الشك في نواياها، تُمنح إسرائيل حماية غير مشروطة، رغم امتلاكها لأسلحة دمار شامل، وعدم خضوعها لأي تفتيش دولي.
الحرب الصهيونية على إيران هي امتداد لسياسة طويلة من استخدام القوة لمنع الآخرين من امتلاك وسائل القوة. وفي ظل غياب عدالة دولية حقيقية، وتواطؤ صامت من القوى الكبرى، تتحول هذه الحرب إلى جريمة مفتوحة بحق الإنسانية والقانون الدولي، وتطرح أسئلة جوهرية حول من يملك الحق في الدفاع عن سيادته، ومن يمنح إسرائيل امتيازًا لا يتمتع به أحد سواها.