الخردة .. الكاتب منير بهرى.المغرب

جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-

الحي في سكون ، إنه وقت الهجيرة ، نبتت سيارة كبيرة أرقام صفيحتها خارجية ، حمولتها ثقيلة تلفها شبكة كبيرة وغلاف بلاستيكي أزرق في المقدمة فوق مقعد السائق تطل دراجات مفككة ، لم يضغط على منبه السيارة حتى لايزعج الجيران ، لكن صوت محرك السيارة كان كافيا ليجعل أهل البيت ينتبهون إلى أنه الوالد الذي أتى من فرنسا ، طاروا فرحا تسابق الأطفال يثبون على درج الدار ،منهم من يتجاوز ثلاث إلى أربع درجات ، وكانت أعينهم متقدة ويحدثون أنفسهم بالهدايا التي جلبها الأب ومن سينال منهم أجودها ، قبلوا يد والدهم وهووا يقبلون رأسه حتى اندلق الطربوش وكشف الرأس عن صلعة ملساء ناعمة ، ضجوا وطارت عقولهم لابد أن ما جلبه الأب من الخارج سيكون مذهلا يغير رتابة حياتهم ويكسر روتينهم لأنهم يئسوا من اللعب بكرة ملفوفة بالمتلاشيات ، بعد حرارة اللقاء وتبادل التحايا ،قفز الأب واعتلى سلم مثبتا خلف السيارة ، وبدأ يفك الشبكة رويدا رويدا ، وتظهر دراجات هوائية مفككة سال لها لعاب الأطفال كانوا يظنون أن كل واحد منهم سيظفر بواحدة ، شرعوا يدخلون الصيد الثمين إلى شقة خالية تتوسط البناية السكنية ، استغرقوا ساعة وهم يحملون القطع والأثاث ، صحون من الطاوس الأصلي، كؤوس ، أباريق للقهوة ، آلة للتصبين في جوفها ابتلعت أحذية مختلفة من جميع الأحجام والفئات العمرية قد يثيرك حذاء فتجد واحدا وتظل تبحث عن الخف الآخر كمن يبحث عن ثمرة في قصعة كسكس مكللة بأنواع الخضر يذرع آكلوها المسالك لنيلها معتقدين أن أول يد تظفر بها سيفتح لها أبواب الحظ والبهجة ، امتلأ الصالون بركام الأثات حتى ماكينات الحلاقة تتبجح، صابون بعطر أخاذ ، ملاعق ثقيلة زرابي مع خدماتها المكنسات الكهربائية….المهم أن الأب خرج من منزله بفرنسا هيأ سيارته وبدأ يشفط في طريقه أمام حاويات الأزبال الأرائك والصحون والكتب بمختلف اللغات ، للإشارة كان التهافت حول المجلات النسائية ولا يهم المكتوب ، لما انتهى الأب وأبناؤه من إفراغ الحافلة الصغيرة وتخليصها حتى من الغبار كما تحرص القابلة أن تخرج الخلاص من داخل الأم التي تلد ، جعجعة أثارها الأب ، اغسلوا السيارة ، اطمأن على سلامة الحمولة قائلا : كنت أحرص في طريقي على ألا أكسر الصحون والكؤوس ، لم يتناول غذاءه، أعدوا له شايا وكسروا له أربع بيضات أعدوا بها لمجة ، اقتحم الأب الصحن الحديدي بنهم يذرعه طولا وعرضا ويهو يتلصص بعينيه إلى أفراد الأسرة يحدثهم عن أحوالهم ، ليفتك بابن له رسب في الدراسة حدجه بنظرة شزراء كانت كافية لفراره واندحاره كما يذوب الدخان ويتلاشى في الهواء.أحضروا له طستا لغسل يديه ، تجرد من بذلته ، استلقى على ظهره في السرير هزمه الإعياء نال منه التعب والسياقة وإجراءات الجمارك .بدأ يشخر وبطنه المكتنزة تنبض طورا ترتفع وطورا أخرى تهبط ، أخلوا له المكان وهم ينتظرون الغنائم من أحذية رياضية أو كرات ….في المساء عولجت الخردة أخذت الوالدة طاقما من الصحون والكؤوس منتشية لكي تزين بها خزانة الأواني في الصالون حتى خزانة الأواني تحرص الوالدة أن يكون لها مكان في الصالون الوثير ، شرع الأطفال يقيسون الأحذية في أقدامهم يجدونها صغيرة ويحاولون إدخالها بالقوة فيصرخ فيهم الأب متذمرا مستهزء :قدماك كالمركب انزعه فإذا لم يجد مقاسه حاول الظفر بواحد حتى ولو اضطر أن تتورم أصابع قدميه المهم حتى يرضي أباه وحتى لايخرج فالصو .فيقوم ويلثم صلعة أبيه منتشيا الأب قائلا : أحضرتها بعرق جبيني ما عليكم سوى الدراسة والاجتهاد. لقد أحضرت لمعلمتك آلة التصبين ، فرح الطفل بهذا الخبر الذي سيزفه لاستاذته حتى ترضى عليه وتكون له حظوة بين أقرانه ، شرع الأبناء وهم خمسة في التنازع على قطع غيار دراجات هذا يحمل مقودا والآخر العوسج ، العجلات ، يمنون أنفسهم بنزهات جميلة ؛ قطع الأب دابر أحلامهم من جذورها ، وأتى على حقل مشاعرهم كما تصيب السماء محصولا زراعيا ، فقال لهم سأترك لكم واحدة كبيرة أما الباقي فهو للبيع ، واحدة استغرب الأبناء كأنما مسهم طائف من الشيطان متلعثمين عاقدين ألسنتهم، يستعطفون أمهم لكن الأم وافقت على رأي الأب وقامت بتوزيع قالب من الحلوى والشكولاطة التي أحضرها الأب .في الصباح الباكر شحن الأبناء الحمولة داخل السيارة أدار الأب محرك السيارة ميمما السوق الأسبوعي ليعرض بضاعته وترك الأبناء يعالجون الدراجة ويوزعون الأدوار والحصص الزمنية ونوبة كل واحد منهم ، أما الأم فتتباهى بجواهر من عقيق ودمالج وزربية خضراء تزف للصالون ، مر أسبوع تخلص الأب من البضاعة .قام قبل الفجر تلفع معطفه ورحل إلى الديار الفرنسية. الأبناء يسألون عن الشكولاتة ؛الأم تقسم بالتساوي .يخرج الأبناء إلى الخارج فيسألهم الأصدقاء عن الجوائز فيقولون لهم إن الدراجات لابد أن تعالج عند الميكانيكي ، أما الكرات فلم يحضر أبانا إلا كرة اليد ، وأسطوانة من كرات المضرب .يكبر الأولاد والأب لازال على شاكلته مع الخردة والأبناء يشتهون وتكبر أحلامهم بالذهاب إلى فرنسا فينهرهم الأب قائلا : ماذا تحتاجون أوفر لكم كل شيء ، لاتناقشونني مرة في هذا الأمر فيجر الأبناء أذيال الخيبة والهزيمة ، الأب يطعم من الخردة بطونا جائعة ويحسب له أنه ابن الجالية الملقب بالفاكونصي.