جريدة أرض بلادي – اسماء بومليحة –
شهدت فضاءات المركب الثقافي الحي الحسني بمراكش افتتاح فعاليات المهرجان الوطني الأول للقصيدة العربية المصورة الملتئم في دورته الأولى تحت شعار عبور جمالي
للشعر من مخاطبة الأذن إلى متعة البصر، الذي نظمته جمعية وشم للثقافة والفن بمراكش يومي28 و 29 شتنبر 2024
واختارت أن يكون الشاعر الكبير الأستاذ عبد الرفيع جواهري جوهرة ترصع سماء هذه الدورة، بوصفه من الأعلام المؤسسين الذي قدموا إسهامات نوعية وإضافات مهمة لتطوير القصيدة المغربية وإثرائها، ورفدها بممكنات جمالية أخرى تجعلها في مصاف الشعرية العربية، وأحد ملامحها البارزة، وهو ما تجسد من خلال دواوين “وشم في الكف”،
“شيء كالظل”، “كأني أفيق”، “الرابسوديا الزرقاء” ، وكذا الروائع الغنائية لهذا الاسم الوارف الذي أضحت قصائده وشما في كف الزمن المغربي، وعلامة دالة على نبوغ إبداعي لافت لا تخطئه الذائقة، أو تتغافل عنه القراءة الحصيفة المستبصرة للمسار الحافل لهذا الشاعر الكبير، العابر كقمر يفتح نوافذ مشرعة على ينبوع تترقرق فيه الكلمة، وينتصر فيه الحلم على الواقع العنيد … هكذا تحدثت ورقة الندوة التي
استهلت بها فعاليات المهرجان الوطني الأول للقصيدة العربية المصورة ندوة عرفت تقديم قراءات نقدية أطرتها أسماء أكاديمية وازنة في حقل الكتابة النظرية لاستجلاء وتتبع الخيوط الناظمة لتجربة شاعر الرفعة والجواهر… وهي خيوط رصدتها مداخلة الدكتور عادل عبد اللطيف أستاذ الحجاج وتحليل الخطاب بجامعة القاضي عياض مراكش التي تناولت بناء المعنى في شعر عبد الرفيع جواهري، من
خلال أربع بنيات مركزية بصمت المسار الشعري للمحتفى به بمیسم ،دال خاصة في ديوانيه وشم” في “الكف” و “شيء كالظل”، وهي بنيات الوجدان والالتزام والأمل والكتابة إذ على امتداد مجموعة من القصائد تبرز تجليات هذه البنيات
وتفصح عن نفسها في نصوص الوردة “العاشرة” “زهرة” سرية على صدر قاسيون نشيد صغير لأطفال يوم السبت “… وغيرها، مما شكل موضوعا أو مادة للكتابة الشعرية لدى جواهري الذي لابد أن ترسم أشعاره في النهاية، فسحة الأمل لاستمرار الحياة والخروج من الشرنقة الخانقة للزمن الحارق الملتهب … وهي الخلاصة نفسها التي سينتهي إليها الدكتور عبد العزيز لحويدق، أستاذ البلاغة والتأويليات بكلية
اللغة العربية مراكش الذي قدم ورقة بعنوان آليات اشتغال الدلالة في ديوان “شيء كالظل” ، استنطق من خلالها المتدخل الطبقات الدلالية الثاوية في نصوص هذا الديوان، بوصفها قائمة على بنية التضاد، المفضي هو الآخر إلى طريق تستشرف الأمل وتؤسس له، بعيدا عن أية نزعة ميتافيزيقية، إذ بالرغم من حضور البعد التراجيدي المعلف لأشعار شيء كالظل”، يبقى الأمل بارقة تلوح في الأفق، وكوة ينفذ منها الضوء و يتسلل إليها الحلم الحامل لغد متجدد على الدوام…
وتطرق الدكتور محمد أيت العميم الناقد والمترجم وأستاذ التعليم العالي بالمركز الجهوي لمهن التربية و التكوين ،مراكش، في مداخلته التي حملت عنوان “بين الغناء
والمرارة، أو رقصة الألم عند عبد الرفيع “جواهري إلى جوانب مختلفة ميزت مسار الشاعر الذي تعرف عليه المغاربة من خلال قصائده المغناة لاسيما ” القمر الاحمر” و “راحلة، وبالرغم من أنه كتب ثلاثين قصيدة مغناة، فإن الأ
غنيتين السابقيتن ترسختا في وجدان المغاربة، وقد أبدع الشاعر هذه التحف في ريعان شبابه، وهو لم يتجاوز بعد العشرين سنة … وبدا عبر هذه التجربة أن شعريته ولدت ناضجة يسندها وعي عميق؛ تجلى في قدرته الترميزية من خلال العنوان الشهير القمر الأحمر ، فموضوعة القمر تطبع دائما لحظات التحول الكبرى وما حضور القمر في قصيدة ضوء القمر ” لألوسيوس بيرتراند رائد قصيدة النثر في
فرنسا، و”حزن في ضوء القمر للماغوط رائد قصيدة النثر العربية، إلا إيذان – يقول الناقد أيت العميم – بتحول كبير سيشمل النوع الشعري، وكذلك “القمر الأحمر”، هو ب
الفعل إعلان عن تحول سيمتد إلى الذات، لأن رمزية القمر الأحمر ترتبط بتحول داخلي ذي نزوع روحي، وبالفعل فإن الشاعر سيعرف تحولات عديدة واهتمامات متنوعة من الإعلام في بداية مشواره، ثم المحاماة والانخراط في قضايا حقوق الإنسان، والممارسة السياسية داخل حزب الاتحاد الاشتراكي… وسجل الناقد أن الشاعر عبد الرفيع جواهري، كتب مجموعة من الأعمال الشعرية انعكست فيها مشاغله ولواعجه وعواطفه وجراحاته منحازا في ذلك إلى جمالية البساطة الخادعة والوضوح الذي تختفي وراءه دلالات رمزية عميقة، إذ كانت أشعاره تحتفي بمقروء متنوع، والتقاط نصوص من التراث العربي و العالمي، مما أكسب شعريته تفردا وعمقا وديمومة لافتة، ويمكن أن نقرأ في تجربته المتنوعة الشعرية والنثرية مشاغل مغرب ما بعد الاستقلال والتحولات التي عرفها البلد، كما استطاع أن يؤسس عبر نافذته لجنس المقال الساخر من خلال مفارقات كان يهتدي إليها، بالإضافة إلى توظيف موروث من الأمثال الشعبية المغربية، لذلك كانت تجربته في هذا المضمار تفتن القراء الذين ينتظرونها ويترقبونها بشغف كبير….
ولم يفت الناقد أيت العميم أن يلفت النظر إلى ملاحظة فارقة تتعلق باختيارات هذا الشاعر الذي بدأ باللون الأحمر وختم باللون الأزرق من خلال ديوانه الأخير “الرابسوديا الزرقاء”، إذ أرخى اللونان بظلالهما على تجربته، في حين أفرد ديوانه
“كأني أفيق” لمدينة فاس مسقط الرأس، كما خص مدينة مهوى القلب مراكش بقصائد ونصوص مختلفة، فضلا عن كتاب جامع الفنا الصورة وظلالها”… وقد كانت قصيدته مراكش من القصائد التي انحازت للمدينة، عبر تشريح لمألها، فهو يريد أن تشرق عليها شمس جديدة، ليست تلك الشمس الحارقة … هذا، واستحضر الناقد في ورقته المتميزة نصا شعريا استرعى انتباهه ویری أنه يختصر تجربة عبد
الرفيع وإحساسه بالمرارة والخذلان … وهو “رأيت” السيف في يد من أحب”، فهذا العنوان له أكثر من دلالة، خاصة وأنه يستبطن مشهدا سبق لشكسبير أن التقطه في لحظة مقتل يوليوس قيصر، حيث كانت الطعنات تنهال عليه من كل الجهات، لكنه لم يسقط إلا عندما رأى صديقه بروتس وقد أشهر ،خنجره، فقال قولته المؤلمة ” أنت يا بروتس … لكن الشاعر عبد الرفيع ،جواهري، يبقي الباب مواربا دائما
كي يتسرب إليه الأمل، إذ يقول في مختتم هذا النص الشعري
حتى.. ياليت لو عَلِمُوا
أني هنا
فوق الجواد
وفي يدي الأحلام لا
تتقحم
إن يسرقوا سيفي