الشعر على إيقاع تعاريف المبدعين استطلاع من إنجاز مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي- هيئة التحرير-

 

 

الشعر كالزمان الذي قال عنه الفيلسوف القديس أوغسطين إذا لم تسالني عنه فإنني أعرفه، وما إن تسألني عنه حتى أجد نفسي لا اعرف.. هكذا هو الشعر يعرفه الجميع ولا يعرفه أحد.. بسيط ومعقد في الآن ذاته، لذا ارتاينا أن نطرح سؤال الماهية، أقصد ماهية الشعر على بعض المبدعين، طالببن منهم تعريفه حسب وجهة نظرهم الخاصة، فتناسلت الأجوبة -نتيجة لذلك- محاولة الإمساك بهذه الماهية المنفلتة، وقد تعددت واختلفت فيما بينها كما كان متوقعا.
هكذا، رأت المبدعة خديجة محو، منسجمة مع رأي النقاد العرب القدامى بأن الشعر هو كلام موزون ومقفى، فيه إبداع وجمال وتخييل، كما ذكرتنا بانه كان قديما ديوانا للعرب ،ينقل حضارتهم وحياتهم وأحوالهم وبيئتهم للأمم اللاحقة، والشعر أيضا كان حاملا للغة، وشاهدا للنحاة في تفسيرهم للظواهر اللغوية، وقد لجأ إليه المفسرون كذلك لتفسير وفهم مفردات القرآن الكريم،فالشعر جنس أدبي، لطالما اهتمت به النخبة، والثقافة الرسمية.
فيما اختارت المبدعة الأردنية رندا المهر تعريفا مجازيا ينسجم مع طبيعة الشعر حين قالت بأنه عزف لخطى فرحة أو شجية أو مزيجا من كليهما، هو رسم لقلب تنتظمه دقاته.. هو اختصار لكل الروايات والقصص، ودون الشعر ما نطقت الأطلال ولا الحاضر بكى..
وتضيف الشاعرة بأن الشعر هوى تبعه الغاوون فأقاموا في محرابه.. وكم من بحر أغرق فيه السفن وأضاء منارات على موانئ فيها وداع ولقاء.
أما الأستاذ محسن قيزاني من تونس فركز في تعريفه على ان الشعر من أقدم التعبيرات يخالج طيفا من الناس ولدت معهم موهبة التخيل و الجرس و الإيقاع و الصفاء الذهني ليكتشفوا أنهم قادرون على صياغة كلام موزون و مقفى لا يحاكي الكلام المتداول بقدر ما يبني كونا حالما على أجنحته الخيال و الحلم .
والشعر أنواع منه العمودي و منه الحر و منه في غير العمودي و الحر و منه قصيدة التفعيلة و من التعليمي المرتبط بمستوى علمي أو ديني و منه الإبداعي و منه الملتزم و الحماسي …
ويستمر الاستاذ محسن في تعريف الشعر قائلا بأن الشعر موهبة تغذى بالقراءة والتجربة و خوض غمار الحياة.. لا خيار لنا في أن نكون شعراء و إذا تطفلنا على مملكة الشعر لنكون شعراء كشفنا شعرنا الذي لا يتجاوز كونه تكلفا وتصنعا و بدعا لا إبداع ولا إمتاع .
الشاعرة الجزائرية فضيلة بن دعاس عرفت الشعر من جهتها بأنه إحساس طاغ، تغنت به أمجاد السهر ، تعب لذيذ تساؤلات متناقضة ضحكات كأننا مجانين ضاعت صلاحية عقولهم وقلوبهم في معركة مع وضد العشق والشعر.
أما الأستاذ الطيب تشرين ففضل أن يعرف الشعر بكونه كل منظوم من الكلام، يستلذه السامع، ويخلب لبه. يتألف من كلمات مصفوفة وموزونة، تنتهي بقافية وروي موحد. وطبعا لكل قصيدة ميازانها وإيقاعها الخاص، وهذا ما جعل الخليل ابن احمد الفراهيدي يضع ميزان لكل كلمة داخل البيت الشعري تسمى علم العروض الشعرية، أو البحور الخليلية، وهي موزعة إلى خمسة عشر بحرا، أضاف لها عالم عربي آخر جاء بعد الخليل بن أحمد بحرا آخر، وأصبح مجموعها ستة عشرة بحرا. والشعر الحقيقي في التراث العربي هو الشعر الكلاسيكي القديم، أي شعر العصر الجاهلي والعصور التي تلت من بعد ذلك، كصدر الإسلام والعصر الأموي، وسيبلغ الشعر العربي أوجه خلال العصر العباسي حيث تنوعت أساليب الشعر وبرزت تيارات و مدارس جديدة.. كتيار الصنعة عند مسلم بن الوليد وأبي تمام، وتيار المعاكسة عند المتنبي والشعوبية عند بشار بن برد وغيرها مما أضفى على الشعر
نكهة خاصة غير مسبوقة.
فيما أكد الأستاذ البكاي كمال بأن الشعر بالنسبة له، هو المتنفس الوحيد الذي يجد فيه راحتي، إنه النعمة التي تجعلنه يشعر بالأمان، ويضيف”والفضاء الذي أفرغ فيه كل ما أشعر به من حب وغضب وتمرد. إنه الصاحب والخل والصديق، فلا حياة بدون شعر، وإن الحياة بدون شعر ممات”.
فيما اعتبرت الشاعرة حنان الفرون أن الشعر تورط لذيذ يجرفنا من دائرة المتاهة إلى عوالم البهاء، يثمر كالنرجس على شفاه السطور ،فتتورد حمرة …هو مخاض عذب مرير نزفُّ من خلاله بنات أفكارنا في هودج من وميض القمر .
يأتينا الشعر على هيئة حلم مدجج بالذكرى، بالعبرات ،بالفرح والابتهاج …و بمشاعر مختلطة متناقضة أحيانا
الشعر هو الملاذ الوحيد الذي تتعرف من خلاله عن الآدمي الذي يحمله هذا الوعاء (الجسد ).
بينمت راتوالشاعرة السورية الدكتورة رنيم خالد رجب بأنه تعبير عن الشعور الكامن داخل الشخص وهو ترجمة للإحساس ينقله الشاعر على السطور ،فكل حرف ينسج أروع الكلمات والصور لذا فهو أروع مانظم الملوك وشعراء الجاهلية وهو لايدرس للأشخاص بل فطرة أي ليس مكتسبا.
ونختم هذه الشهادات على إيقاع الشعر بتعريفين:
الأول للشاعرة غزلان شرفي قالت فيه:
الشعر :وما الشعر؟
الشعر انعكاس روح على الورق
الشعر تجليات مشاعر، وإخراجها للعلن
الشعر مخاض يسبق ولادة القصيدة
الشعر كوة نور تنير عتمة الليالي
الشعر.. لسان حالي
الشعر حبيب يتقن الغواية
الشعر شعرة بين الواقع والخيال
وإن لنا في الخيال لحياة سعيدة.
والثني للشاعرة سعاد بازي تقول فيه:
الشعر دفق حياة
انعتاق من العبودية لحظة ولوج محرابه
الشعر بلسم لشقوق دون رأب
يجعلنا نجر أهداب الإبداع ونرتقي
الشعر أن تلمس الكأس الفارغ فيمتلىء
أن تلمس حفنة تراب فتصبح ذهبا
هو عطر مثير للجدل
وعزف على ربابة مشروخة
تشي بحفنة أحزان