الصحة و التباکي علی الموارد البشرية : کذبة أبريل

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_

عبد العزيز حنون_طبيب الصحة الوقائية_إعلامي_

الصحة بالمغرب تاريخيا، من عهد الحماية وحتى يومنا هذا، لم تكن ضمن الأولويات الحقيقية للدولة المغربية. هي اليوم مهمشة لکنها من الخيمة خارجة مايلة٠ كان يتم الاعتماد فيها على جمع المنح والمساعدات الأممية، کتلک المرتبطة بمنظمة الصحة العالمية و اليونيسيف وغيرها من البرامج المفروضة والمرتبطة بالتزامات دولية، وهي تشبه ”عاون الفريق” و تسول الموارد أکثر من أي شيء آخر. اليوم بعد انتهاء عهد الفابور الدولي و تقلص حجم ما كانت تجود به تلک البرامج نظرا لإعادة تصنيف المغرب ضمن الدول التي لها موارد و لم تعد تحتاج لمساعدات، أصبحت كل برامج الصحة تحت نفقة الدولة فيما يرتبط بالخدمات الصحية الأولية بالاضافة الى مصاريف ومطالب إسکات الأفواه فقط فيما يرتبط بالخدمات الاستشفائية المتعاظمة يوماً عن يوم للشعب المغربي، حیث تم اختراع الراميد الذي لا یفيد٠

ففي ظل دستور يتناول الصحة بصيغة فضفاضة لا تضمن صراحة الحق في الصحة نظرا لاقتصاره على ذكر ”تيسير أسباب” الولوج للخدمات الصحية حسب المتاح من الموارد لا غير، کل ما تقدم عليه الدولة اليوم هو مٶشر و إيذان واضح بحلول موعد الوداع من تمويل مجال تسبب لها کثيرا من صداع الرأس٠ فهي أرادت أن تهرب من مسؤولياتها نهائيا وتترك المغاربة وجها لوجه مع مؤسسات تم انشاؤها بدون رؤية استراتيجية تروم استدامة الموارد بعيدا عن إثقال كاهل المواطن.

وبالتالي فان الترويج الاعلامي الذي تعاظم مؤخرا و بكثير من الدعاية الفجة للفتوحات الخيالية المنتظرة لن يحجب واقع الحال. فالحقائق علی الأرض هي التي يعيشها وسيعيشها المواطن، وهي تقول بلسان الحال وبصراحة وفصاحة المقال أن مستشفياتنا بقطاعيها الخاص والعام ،کبنيات موضوعية، لا يمكن لها أن تلبي حاجات المجتمع المغربي كما وكيفا، إذ كلما احتاج المواطن مجال الصحة في أمور جدية كلما اصطدم بحجم الإنفاق العالي الذي يترتب عن المرض حتى وهو يتوفر على ما سمي بالحماية الاجتماعية کصندوق الضمان الاجتماعي أو الكنوبس أو غيرها التي لن تحميه من المصاريف الكارثية للصحة..

و بناء عليه، فسؤال الصحة اليوم لا ينحصر في الموارد البشرية رغم أهميتها، المشكل يكمن أساسا في تمويل الصحة الذي واجهته الدولة عبر التاريخ كما اسلفت بالتملص ومنذ زمان. وهي تريد اليوم أن تضعه کليا على عاتق المواطن وحده بشكل أكثر تأسيسا وضبطا قانونيا. وكل ما يروج من أغلفة مالية کمشاركة حالية للدولة و تلك التي سترصدها في الأعوام المعلنة لتعميم التغطية الصحية، ليست مستدامة. ففي أية لحظة ستنسحب الدولة كما صنعت مع صندوق المقاصة لتترك الصناديق فارغة وتطلب للمواطن الزيادة في الاشتراك إن هو رغب في الاستشفاء او في الحصول على اي نوع من انواع الحماية الاجتماعية کالتقاعد أیضا.

فشکل التمويل المقترح کورش استراتيجي يکشف النوايا البعيدة لمن يقودون البلاد نحو لست لا أدري، کما أن سؤال الخدمات الصحية وإتاحيتها بشکل فعلي يبدو أنه لا يهم من يدبرون الشأن العام.بالله عليكم دلونا أين توجد هذه الخدمات كما ونوعا وفي الوقت المناسب و فقط بالادلاء ببطاقة تأمين صحي ”وبوجهک أحمر“ و بدون انتظار قروني يطول أحيانا إلى ما بعد الوفاة ( اسألوا عن عدد المواعيد مات أصحابها قبل أن يصل دورهم وستعلمون قيمة صحة المواطن)٠

هنا تطرح معضلة البنيات الاستشفائية التي يحاول الماسكون بالبلاد والعباد تغطيتها بغربال الموارد البشرية التي أصبحث المشجب الذي يريدون من خلاله قضاء أشياء أخرى لا علاقة لها بصحة المغاربة كمواطنين يخاف على حياتهم من التلف٠ هم يريدون فقط فتح سوق جديد للرأسمال المحلي المفترس لامتصاص ما يمکن جنيه من صناديق قطاع اجتماعي حساس لن تنسجم اهدافه الانسانية مع مصالح من يريدون البيع والشراء، الذين لا تهمهم سوى النقص من الكلفة للزيادة في هامش الربح، و نحن نعلم أن النقص من الكلفة في الصحة يعني في واقعنا النيولبرالي المتعفن النقص من الجودة، کما تعني الزيادة في الربح الرفع من اثمنة الخدمات الصحية ، وكلاهما ثقل على ظهر المواطن المقوس أصلا بواقع الغلاء و الجيب المثقوب٠

البحث عن الموارد البشرية من خارج المغرب ما هو إلا مبرر وآه، والمثال عندنا هو عدد ممرضينا المعطلين الذين يبلغ عددهم الألاف، فلماذا لا يتم توظيفهم٠ هذا ليتأکد لنا عدم صدقية بکائيات الموارد البشرية، لأنه حتى ولو كان الاطباء المغاربة بالعدد الكافي لن يتم توظيفهم وتحفيزهم٠

المبتغى الرئيس من كل هذه السيناريوهات والتعديلات واضح و هو البحث عن اليد العاملة الرخيصة في الصحة وهي ستساهم في ضخ هشاشة اجتماعية أخری في معترک مهنيي القطاع. فرغم ذكر فتح الباب أمام جميع أطباء العالم، فالهدف واضح والمقصود بالأساس هم أطباء أفريقيا الذين يراهن عليهم أن يقبلوا باثمنة تنافسية، يعني ضعيفة وليس العكس. وهذا بالتأكيد رهان سيكون خاسرا، لأن الأذكياء منهم مفتوحة لهم الأبواب في دول أخرى و بوضعيات اجتماعية احسن ، وحتی المضطرين منهم سيکونون في وضع الازمة و اللا استقرار مما سيٶثر أکثر علی استدامة الخدمات وجودتها، هذا إذا اعتبرنا أن التکوين الطبي والدبلومات لا غبار عليها ولا شکوک حولها٠

لا تراهنوا علی استيراد الموارد البشرية فذلک لن يحل المشكل بل سيستانفه فقط نحو مساقات غير منتظرة خصوصا اذا کان تبادل الاطباء بالمثل فالکل سيرحل “هادي لي ما جاتش علی بالکم”. صحة المغاربة وبالتالي استقرار المغرب لن يستطيعها الا ”ضامن بشكارتو” و بابناء المغاربة عبر الرفع من التكوين كما ونوعها، والرفع من التحفيز، والتقليل من الحكرة. كورونا ابانت عن المستوى العالي للممرض المغربي والطبيب المغربي، فهم بلا شيء صنعوا الفارق هنا وفي کل العالم والحمد لله، فما بالك اذا تمت تهيئة الظروف المناسبة لهم ماديا ومعنويا. فالإطار المغربي ذو الكفاءة العالية أصل وحل اما غيره ففرع لا تراهنوا عليه كثيرا و لا تحلموا أن هذه الصيغة ستساعدكم على مزيد من الالتفاف على صحة المواطنين. ”راه ما ينفع عا المعقول” والصحة في المغرب إما ستبني البلاد والطمأنينة أو ستصنع الفوضی و اللا استقرار٠