حلّ شهر رمضان هذه السنة، على غرار العام الماضي، في فترة صيفية تتّسم بارتفاع درجة الحرارة بشكل ملفت، صار معها الصيام عبادة مؤرقة وشاقة، خاصة في صفوف العمال الذين يباشرون مهامهم خلال نهار رمضان، تحت أشعة الشمس الحارقة، دون أن تتوفر لهم إمكانية نقل أنشطتهم اليومية إلى فضاء أقلّ ضررا، من أجل مزاولة أعمالهم في ظروف مناخية تراعي وضعهم البدني.
وفي الوقت الذي تأخذ الإدارات العمومية وبعض المؤسسات في القطاع الخاص شهر رمضان بعين الاعتبار، وتعدل مواقيت انطلاق العمل اليومي للعمال، يعيش عمّال ومياومون آخرون أوضاعا خاصة واستثنائية خلال شهر الصيام، إذ يضطرون إلى العمل طيلة ساعات النهار، وتحت أشعة الشمس، ويبذلون مجهودا تتفاوت درجته بحسب نوع النشاط المزاول، ما يزيد من معاناتهم نتيجة امتناعهم عن الأكل والشرب من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
ومن بين العمال الذين يقضون نهار رمضان يتنقلون من حي سكني إلى آخر، بحثا عن لقمة العيش تحت أشعة الشمس، سائقو سيارات الأجرة. وأشار محمد قساط، بصفته سائق “طاكسي صغير” بمدينة خريبكة، إلى أن أغلب المعنيين بالموضوع، خاصة الميسورون منهم، يتجنبون العمل لساعات طويلة خلال النهار، ومباشرته خلال الفترة الليلية، في حين يضطر سائقون آخرون إلى تكبد عناء العمل طوال النهار، حتى يتمكنوا من جمع “الروسيطا”، ولو على حساب صحتهم.
وأضاف قساط، في تصريح لأرض بلادي، أنه إلى جانب الصعوبات المرتبطة بارتفاع درجة الحرارة، تختلف معاناة سائقي سيارات الأجرة خلال شهر رمضان، حسب الإدمان على التدخين أو عدمه، كما أشار، في سياق حديثه عن الاحتياطات التي يتخذها المشتغلون في القطاع، إلى أن “السائقين يحاولون قدر المستطاع تفادي الإجهاد البدني، من خلال توقفهم المتكرر بالمحطات الخاصة بسيارات الأجرة، من أجل اقتصاد الطاقة ومخزون المياه في الجسم”، حسب تعبيره.
رضوان بوسافي، بصفته طبيب شغل بمدينة الجديدة، أوضح أن تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف يفرض على العمّال والأُجَراء اتخاذ بعض الاحتياطات، خاصة أولئك الذين يشتغلون في القطاع غير المهيكل، مشيرا إلى أن الشركات التابعة للقطاع المهيكل صارت، في الآونة الأخيرة، تتوفر على أطباء للشغل، يتكلفون بتتبع أوضاع العمال، خاصة المصابون بأمراض مزمنة، وإسداء النصح لهم طيلة السنة، وبشكل كبير خلال شهر رمضان.
وقال بوسافي، في تصريح لأرض بلادي: “دور طبيب الشغل وقائي بامتياز، وهو ما قد يفتقده المشتغلون في القطاع غير المهيكل، خاصة في ميدان البناء، إذ يزاول العمال مهامهم تحت أشعة الشمس في نهار رمضان، في حين ينبغي عليهم، قدر المستطاع، تغيير ساعة انطلاق العمل اليومي، وحبذا لو كان بُعيد الفجر، مع الانتهاء منه في ساعات الصباح، وتجنّب العمل خلال الفترة ما بين الساعة الحادية عشرة والواحدة ظهرا”.
وأوصى المتحدث ذاته العمال بضرورة ارتداء ملابس خفيفة أثناء العمل، حتى لا تتسبب في تعرّقهم، مع الاهتمام بتناول وجبة السحور التي تساهم في وقاية أبدانهم من الاجتفاف خلال فترة الصيام، داعيًا العمال الذين يتناولون أدوية منوّمة، والمرضى المصابين بمرض السكري وارتفاع ضغط الدم، إلى التنسيق مع الأطباء المتخصصين وأطباء الشغل، من أجل قضاء شهر خالٍ من المشاكل الصحية، ومشيرا في ختام تصريحه إلى أن رمضان فرصة للعمال المدمنين على التدخين وشرب الخمر للإقلاع عن تلك السلوكات المضرة بالصحة.
أما أحمد ماحلي، الذي يشتغل بإحدى صيدليات مركز أولاد افرج، بإقليم الجديدة، فأوضح أنه إلى جانب أدوية المعدة وآلام الأمعاء، تعرف العقاقير الخاصة بعلاج صداع الرأس إقبالا كبيرا من طرف الصائمين الذين يزاولون مهاما في الفضاءات المكشوفة، خاصة في السنوات الأخيرة التي تزامن فيها شهر رمضان مع فصل الصيف، داعيا إلى ضرورة أخذ الحيطة والحذر، وتفادي التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، مع ضرورة الإكثار من شرب السوائل خلال وجبتي الفطور والسحور.