اللغة العربية في يومها العالمي

جريدة أرض بلادي_الدار البيضاء_
مصطفى لغتيري_نص المداخلة التي شاركت بها في إحياء اليوم العالمي للغة العرببة، الذي نظمته مديرية الحي الحسني بشراكة مع جمعية المديرين وجمعية التضامن الجامعي.

منذ عام 1973 تاريخ اختيار اللغة العربية لغة رسمية في هيئة الأمم المتحدة، هذا القرار الذي اتخذته الجمعية العامة بطلب من المملكة المغربية والمملكة العربية السعودية، تتجدد كل عام هذه المناسبة العزيزة على القلب، والضاربة في عمق الوجدان، فبفضلها أخذت لغة الضاد المكانة التي تستحقها في المحفل الدولي الأكبر، مجاورة في ذلك اللغات الأكثر انتشارا في العالم وهي الانجليزية والصنية والفرنسية والاسبانية والروسية، ولعلة من باب تحصيل الحاصل التعبير عن عشقي لهذه اللغة، التي فتنتني عباراتها منذ الصغر ولا تزال، مما جعلني أقبل على قراءة مل ما وقع بين يدي وقد خط بحروفها الجميلة، لكن حبي لهذه اللغة، وإيماني بمستقبلها يمنعاني من ترديد الكلام المعتاد عنها، هذا الكلام الذي قيل في زمان غير زماننا وبشروط غير شروطنا، وظلت الألسن تردده دون تمحيص أو تفكير، وهو كلام من حيث العمق يعبر عن تعلق وجداني بهذه اللغة لا أقل ولا أكثر، وقد لا يمت للحقيقة إلا بخيط واه، يعضده الهوى والإفراط في الحب، الذي قد يصل إلى حد الشوفينية أحيانا، هذا الكلام من قبيل أنها اللغة الأجمل والأفضل والأقوى.
فإن كانت اللغة العربية” تتميز بقدرتها على التعريب واحتواء الألفاظ من اللغات الأخرى بشروط دقيقة معينة. فيها خاصية الترادف،والأضداد، والمشتركات اللفظية. وتتميز كذلك بظاهرة المجاز، والطباق، والجناس، والمقابلة والسجع، والتشبيه. وبفنون اللفظ كالبلاغة الفصاحة وما تحويه من محسنا”،عن ويكيبيديا، فقد علمتنا الدراسات اللغوية واللسانية الحديثة أن اللغة العربية كباقي لغات العالم، لها نقط قوة كالاشتقاق مثلا ، الذي يجعل منها بحرا لا شط له وفي أعماقه الدر كامن كما قال الشاعر وحق له أن يقول ، ولها كذلك نقط ضعفها، وأهمها التقعيد المفرط لقواعدها وجمود هذه القواعد الذي يكبلها، القداسة التي يحيطها بها أهلها مخلطين بذلك بينها وبين القرآن الكريم ، مما يجعل اللغويين والمفكرين عامة يتهيبون من التعامل معها خوف رد فعل غير متوقع، بالإضافة إلى كونها لغة أمة لا تنتج ولا تبدع في المجال العلمي والتكنولوجي، مما يجعلها تابعة باستمرار، لاهثة وراء كل جديد، فلا تلحقه إلا بشق الأنفس، خاصة فيما يتعلق بتبييء المصطلحات الجديدة أو تعريبها، وغالبا ما لا يتأتى لها ذلك.
اللغة العربية لغة قديمة استطاعت أن تقاوم، وتظل حية، رغم الأعاصير التي كادت تطيح بها نطقا وحرفا، وما تجربة اللغة التركية عنا ببعيدة، ونحن نتحدث عن ذلك. وهذا مما يجعلنا نفخر بها فقد تصدت للنوائب والتقلبات، والنوايا السيئة للاستعمار للإطاحة بها سواء في المشرق أو المغرب ومع ذلك ظلت وهذا يؤشر على منعتها وصلابة مقاومتها.
لقد كانت لغتنا العربية في وقت مضى لغة علم ومعرفة وأدب، وكان كل من يطمح إلى تعلم لعلوم العصر وفلستفته وآدابه ملزما بتعلمها، ويمكننا هنا أن نستدل بما عرفته الأندلس، إبان ازدهارها، حين كان يقصدها طلاب علم من أوروبا الشمالية ليتعلموا اللغة ومعها العلم والمعرفة عموما، كما يمكننا أن نعرج على شعوب أسيا الصغرى وفارس والهند، الذين شدوا الرحال يوما إلى بغداد والحواضر العربية قصد تعلم اللغة والنهل من معينها الطيب، فلم تكن المعرفة متأتية لطلابها إلا من باب اللغة العربية.
اليوم أصبح كل ذلك مستقرا في متحف التاريخ، ومعلوم أنه كل من لا يستطيع خلق حاضره وبناء مستقبله يتقهقر نحو أمجاد ماضيه فيكتفي باجترارها بنوع من الحنين المرضي، الذي يحاول من خلال التعويض عن فشله.
لغتنا العربية اليوم تعاني من الضعف والتهميش حتى في البلدان التي تعرف نفسها بأنها عربية، فاللغة الفرنسية مثلا في دول المغرب العربي والإنجليزية في دول المشرق العربي طاغيتان في المعاملات المالية والاقتصادية والتكنولوجية، وحتى الآداب التي تتخذ من هذه اللغة أداة لا تجد لها من الانتشار إلا في رقعة ضيقة، فكم من أديب متوسط الموهبة كتب نصوصه باللغة الفرنسية مثلا، فوجد الاحتفاء والتكريم في طريقه، فقط لأنها كتب بلغة قوية بأهلها وحضارتهم، وكم من كاتب موهوب، كتب باللغة العربية، فكان التجاهل والتهميش مصيره، ولا تكاد الأمم تلتفت إليه،وما جائزة نوبل عن الذهن ببعيدة عن الذهن، أفليس غريبا أن لا ينالها سوى واحد من كتاب آداب هذه اللغة، فيما المواهب الإبداعية لاتكف عن التناسل، ويكفي في هذا الصددذكر أدباء لهم باعهم الطويل في مراودة الحرف ولا تقل مكانتهم الأدبية عن غيرهم من ادباء العالم كمحمود درويش وآدونيس وابراهيم الكوني وعبد الرحمن منيف واللائحة تطول وتطول.
اللغة العربية تحتاج اليوم من أبنائها المخلصين إلى مجهودات جبارة للرقي بها، وجعلها في مصاف اللغات العالمية الحية، ولن يتحقق ذلك دون نضو رداء التردد عنها، والانخراط في الخلق والإبداع والاجتهاد، إذ لاحدود للانفتاح والتطور، وليس معقولا أن يظل الموتى سدنة للغتنا، يتحكمون في سوانحها وشواردها، في نحوها وصرفها، في معجمها ودلالاتها… فاللغة التي تسعى إلى العالمية يجب أن تمتلك قدرا كبيرا من الثقة في النفس، فتخترق الآفاق دون وجل أو تهيب. ودون ذلك ستظل وأهلها في كل واد يهيمون.
في رأيي المتواضع لن تتقوى لغتنا العربية إلا من خلال التآزر والتلاقح مع باقي لغات العالم، لذا لزاما على بلداننا العربية أن تنخرط في حملة كبيرة من الترجمة من جميع اللغات، فهذا النوع من الترجمة سيتيح للغتنا التثاقف، والمقارنة، والتلاقح الإيجابي، ويكسب متحدثيها تجربة لازبة، ويجعلهم منفتحين أكثر على الآفاق التي يمكن للغة أن ترتادها.
كما أننا مدعوون إلى تنشيط القراءة في بلداننا، فأمة لا تقرأ لا مستقبل لها ولا لغتها، والتعويل هنا على نساء ورجال التعليم، الذين يبدون أنهم مؤهلون أكثر من غيرهم لتحبيب اللغة العربية إلى النشء الصغار، وذلك من خلال التوجيه ومكافأة التلاميذ القراء بالجوائز والعلامات الجيدة التي تجعلهم يشعرون بجدوى ما يقومون به.
كما أن مجمعات اللغة العربية مدعوة إلى توحيد الجهود من أجل أن تعمم على المواطن العربي ترجمة موحدة للمصطلحات والكلمات التقنية الجديدة، فليس من المعقول أن نظل على هذا التضارب والاختلاف في تعريب مصطلحات يحتاجها الطلبة في بحوثهم ، فيصابون بالإرباك، فيولون –نتيجة لذلك- وجهتهم صوب اللغات الأخرى التي تقدم المصطلح محددا وموحدا دون تشويش أو ارتباك.
أخيراً نقولها ملء القلب واللسان:

وختاما أقول: كم نحبك أيتها اللغة الجميلة، وكل عام وأنت لغتنا البديعة، التي نفخر بك ونتمنى لك المستقبل الزاهر الذي تستحقينه ونستحقه معك.