جريدة أرض بلادي – سفيان بلغيت –
*ماكلور*: في ظل التحولات الجيوسياسية والإعلامية التي تشهدها المنطقة المغاربية، يتزايد الحديث حول أهمية الإعلام كأداة استراتيجية للدفاع عن المصالح الوطنية وتعزيز الحضور على الساحة الدولية. ومما لا شك فيه أن الجزائر اتخذت خطوات كبيرة في هذا المجال، كان آخرها الإعلان عن إنشاء مشروع “المدينة الإعلامية للجزائر” أو “Dzair Media City”، وهو مشروع ضخم رُصدت له ميزانية تزيد عن ثلاثة مليارات دولار من مداخيل النفط والغاز. هذا المشروع، الذي يهدف إلى تأسيس مجمع إعلامي متكامل يشمل قنوات سمعية بصرية ومواقع رقمية متعددة اللغات، يضع ضمن أولوياته – كما يبدو – استهداف مصالح المغرب عبر حملات إعلامية مكثفة.
في المقابل، يطرح التساؤل حول موقف المغرب من هذا السباق الإعلامي، وإلى أي مدى يستطيع البلد الحفاظ على مصالحه والدفاع عن قضاياه في ظل ضعف واضح على مستوى الإعلام الدولي. فبالرغم من أن المغرب يعتبر من الدول المحورية في المنطقة، إلا أن حضوره الإعلامي على المستوى الدولي يبدو متواضعًا، بل يوصف في بعض الأحيان بأنه من أضعف الدول العربية في هذا المجال، متنافسًا مع دول مثل جزر القمر وجيبوتي والصومال كما أخبرنا أحد الإعلاميين مستهزءا.
*الغياب الإعلامي المغربي: الأسباب والتحديات*
يعاني المغرب منذ سنوات من غياب استراتيجية إعلامية واضحة تهدف إلى تعزيز حضوره على المستوى الدولي، وهو ما يظهر جليًا في قضية الصحراء المغربية، التي تمثل القضية الوطنية الأبرز والتي تحتاج إلى حضور إعلامي قوي للترافع عنها والتأثير في الرأي العام الدولي.
بالرغم من وعود بعض المسؤولين بتأطير الجالية المغربية المقيمة بالخارج للمساهمة في الدفاع عن القضايا الوطنية، لم يتم تفعيل هذه الوعود بالشكل الكافي. الكثير من الإعلاميين المغاربة الذين يشتغلون في قنوات أوروبية وعالمية كبيرة يملكون القدرة على التأثير في الخطاب الدولي حول المغرب، لكن غياب التواصل الرسمي معهم وافتقارهم إلى خطة واضحة للتنسيق يضعف من قدرتهم على تحقيق هذا الهدف.
*الفرص الضائعة والكفاءات المهملة*
هناك العديد من الإعلاميين المغاربة في الخارج الذين يتمتعون بخبرات واسعة ومكانة مرموقة في وسائل الإعلام العالمية. هؤلاء الصحفيون يمكنهم أن يكونوا قوة ضاربة في الدفاع عن مصالح المغرب إذا تم التواصل معهم وتزويدهم بالدعم اللازم. غير أن ما يثير التساؤل هو غياب التنسيق بين هؤلاء الإعلاميين والمؤسسات الرسمية المغربية، سواء كانت حكومية أو دبلوماسية. يبدو أن المغرب لم يستغل بعد هذه الموارد البشرية القيمة في معركته الإعلامية الدولية.
*الحاجة إلى استراتيجية إعلامية وطنية*
إن مواجهة الحملات الإعلامية المعادية التي تستهدف المغرب، سواء من الجزائر أو من غيرها، تتطلب استراتيجية إعلامية وطنية شاملة. هذه الاستراتيجية يجب أن تقوم على:
إنشاء قنوات إعلامية دولية قوية: لا بد من إطلاق قنوات تلفزيونية وإذاعية موجهة للجمهور الدولي بلغات متعددة، تركز على الترويج لصورة المغرب والدفاع عن مصالحه، خاصة فيما يتعلق بقضية الصحراء.
التنسيق مع الإعلاميين المغاربة في الخارج: يجب أن يتم التواصل مع الإعلاميين المغاربة الذين يشتغلون في المؤسسات الإعلامية الكبرى، وتقديم الدعم لهم لتمكينهم من الترافع عن قضايا الوطن.
الاستثمار في الإعلام الرقمي: مع التوسع السريع للإعلام الرقمي، ينبغي على المغرب استثمار المزيد في هذا المجال وإنشاء مواقع ومنصات رقمية تستهدف الجمهور الدولي بلغات متعددة.
تأطير الجالية المغربية في الخارج: يمكن للجالية المغربية أن تلعب دورًا هامًا في الدفاع عن مصالح المغرب عبر الإعلام، لكن هذا يتطلب تأطيرًا جيدًا وتوجيهًا من الجهات الرسمية.
إن التحديات التي يواجهها المغرب على الساحة الإعلامية الإقليمية والدولية تتطلب تحركًا سريعًا وفعالًا. فالنجاح في هذه المعركة الإعلامية لن يأتي من خلال الاعتماد على الدبلوماسية التقليدية فقط، بل يتطلب أيضًا استخدام الإعلام كأداة استراتيجية لتعزيز صورة المغرب والترافع عن قضاياه الحيوية.