انتهجت العديد من المنابر الاعلامية بالمغرب منذ سبعينيات القرن الماضي و الى حدود الساعة نشر ملاحق ثقافية او فنية لاعتبارات عدة يتداخل في ما هو ثقافي محض و ماهو سباسي او ايديولوجي .و لا يتجادل اثنان في ان هاته الملاحق كانت و مازالت سوقا ادبيا اسبوعيا تتبارز فيه الرؤى و النكهات الابداعية المتنوعة و منبرا تتجادل فيه المدارس و التوجهات و ملتقى لابراز ما استجد في الحقل الثقافي . و كلنا يتذكر صولات و جولات الملحق الثقافي لمنابر إعلامية عريقة كالاتحاد الاشتراكي و العلم و البيان و غيرها و كيف كان دخول الملحق مدخول مغارة علي بابا .و رغم نفحة الأيديولوجيا التي كانت مسيطرة ساعتها لكن كانت تلك الملاحق تنويعا ابداعيا أغنى الساحة اثقافية المغربية و العربية بابهى النصوص و التيارات و مدرسة تخرج منها عتاة النقد و صناديد الحكي و فحول الشعراء .رغم تلك الوصايات التي نفرت اقلاما كثيرة من غوض مضمار الكتابة . ثم ان حل عقد الإشتراكية و انخفضت العديد من الأسماء و أشباه المثقفين نحو جراند القطاع الخاص مع إطلالات محتشمة في جرائدها الام .
ان ما يعاب على تلك الأزمنة المأسوف عليها هو غطرسة بعض المشرفين على تلك الملاحق و ما كانت تمارسه من استبداد ضد الكثير من الأسماء الناضجة الآن و انا واحد منها حيث لولا شلة من أصدقاء الأمس الجميل و أذكر منها القاص سعيد منتسب و الراحل المهدي الودغيري و اللذان انجذبا لما كنت اكتب أكثر من انجذابهم لشخصي و أذكر اني تدرجت بما يكفي قبل أن أنشر بالملحق الثقافي رفقة جيل نحث باظافره في صخر الكتابة الصلب و المنيع . و الآن يؤسفني أن أكتب في بلدي و أنتظر في طابور طويل او اضطر للاتصال بصديق كي أنشر و بالمجان وهذه قصة أخرى بمغرب الكتابة .في حين يحتفي العديد بنصوصي النقدية في منابر عربية بل يرسلون لك رسالة يخبرونك بأنهم سعداء بالتعامل معك في احترام تام ليس لشخصك بل لنصك .
الآن أصبحت العديد من المنابر وسيلة للانتقام و رد الصرف و إبراز العقد الكامنة و ممارسة الأبوة الثقافية .قد تكون وفرة النصوص او ضعفها .او تكرارها في نفس مساحة النشر. غير أن ما يثير الاستغراب ان تعثر على نص طويل يحتل الصفحة بكاملها لكنه لا يقول اي شيء بمعنى نص فارغ . ان آليات تقييم الأعمال المرشحة للنشر هي عملية مشوية بالغموض و محفوفة بالأسئلة .نرجو من هؤلاء المشرفين ان يوضحونها لنا مشكورين .
لقد فاحت رائحة الفساد في جثة المرحومة الثقافة المغربية دون تعميم .وغدا المشرف على الملحق كائنا معقدا نرجسيا. يبحث عن فتاة أسياده في الملتقيات و المهرجانات .كائنا متملقا يبخس العمل الثقافي و لا يبذل قصارى جهده في قراءة و تمحيص ما يرسل إليه .لذا هاجر العديد من الكتاب و الأقلام الجادة بيوتهم مرغمين و أثروا النشر بالخارج على إثارة زوبعة بالداخل و ربما بعد بوادر الثقافة بالمغرب و نفور القطاع الخاص من الإستثمار فيها دق المسمار الأخير في نعشها. لكن ما يحسب لهؤلاء المهاجرين هو الصورة المشرفة التي قدموها عن ذواتهم أولا وعن وطنهم ثانيا .
ان تنشيط الحركة الثقافية رهين بإعادة الروح للمنابر الإعلامية و تقوية السجال الثقافي و ليس الإخواني و تخليص النقد المغربي المنشور من المحاباة و كولو العام زين دون قصف شخصي او خروج عن اللياقة الأدبية و الإنسانية .
و إلى حين تحقق ذلك فستبقى مهنة الإشراف معركة غير متكافئة في أرض جرداء.