استأثر موضوع الإدارة بحيز كبير في خطاب الملك محمد السادس، الذي ألقاه أول أمس بمناسبة الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش، حيث تحدث عن كون العديد من الموظفين العموميين “لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة”. وهذه ليس المرة الأولى التي يُشرح فيها الملك أعطاب الإدارة، فقد سبق أن أثار هذا الأمر في افتتاح الولاية التشريعية في أكتوبر الماضي.
لكن هذه المرة، كان الانتقاد شديد اللهجة؛ فقد أشار الملك إلى أن المغرب يعيش مفارقات صارخة، تتمثل في تواضع الإنجازات في بعض المجالات الاجتماعية، المتمثلة في برامج التنمية البشرية والترابية التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف المواطنين.
كما قارن الملك بين القطاع الخاص والقطاع العام، وقال إن الأول يتميز بالنجاعة والتنافسية بفضل نموذج التسيير القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز، والثاني يعاني من ضُعف الحكامة ومن قلة المردودية.
وقال العاهل المغربي إن “العديد من الموظفين العموميين لا يتوفرون على ما يكفي من الكفاءة، ولا على الطموح اللازم، ولا تحركهم دائماً روح المسؤولية؛ بل إن منهم من يقضون سوى أوقات معدودة، داخل مقر العمل، ويفضلون الاكتفاء براتب شهري مضمون، على قلته، بدل الجد والاجتهاد والارتقاء الاجتماعي”.
ويرى عبد الحفيظ إدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، في تعليقه على الموضوع في تصريح لهسبريس، أنه “لا يكفي فقط وضع المخططات والبرامج”، وأن الأهمية “تتحقق من خلال تنفيذها وأجرأتها، وهذا من مسؤولية الإدارة العمومية والموظف أساساً”.
وقال إدمينو إن “القناعة راسخة اليوم بفشل مختلف البرامج والسياسات العمومية، والحسيمة مثال على ذلك، وهذا مرتبط بمسؤولية الإدارة ومدى التزامها بتنفيذ المشاريع، وهنا يكمن الخلل”، مشيرا إلى أن الملك استعمل لغة أكثر قوة للتأكيد على مسؤولية الموظف والمسؤول العمومي، وأن “الإشكال مرتبط بعدم الالتزام بالقيام بمهامهم على الرغم من كون النموذج المؤسسي المغربي يعد نموذجاً هاماً”.
وأوضح المتحدث أن النماذج التدبيرية الناجحة عبر العالم هي التي استقدمت تكنولوجيا القطاع الخاص، خصوصاً التخطيط والتحفيز وتحديد المسؤوليات والمهام، واعتبر أن هذه التدابير تجعل القطاع ذات فعالية، مضيفا أن “الوظيفة العمومية في المغرب كانت توظف، في أحيان كثيرة، بشكل سياسوي من خلال جعلها وسيلة للبحث عن السلم الاجتماعي واستيعاب خريجي الجامعات الذين لم يستطيعوا ولوج سوق الشغل في القطاع الخاص”.
وقال أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط إن “المغرب يجني ثمار السياسات التي تم اعتمادها منذ الاستقلال، وأول ثمرة غير إيجابية هي ثقافة الوظيفة العمومية التي تستند على الارتكان إلى الأجرة والتهرب من القيام بالمهام”.
لكن إدمينو يعتبر أن هذا “الحكم لا يمكن تعميمه على كافة أطر الإدارة المغربية، فالعديد من أطر القطاع الخاص سبق لهم أن اشتغلوا في القطاع لعام”، مؤكداً أن توفير أجواء التحفيز والتكوين المستمر وربط المسؤولية بالمحاسبة في القطاع العام من شأنها إن اعتمدت أن تؤدي إلى نتائج إيجابية.
ويشير الأستاذ الجامعي إلى “الآليات المادية والقانونية التي تشتغل بها الإدارة العمومية، والتي تعود إلى سنة 1958، لن تسمح بخلق أجواء تتماشى مع طبيعة المشاريع الجديدة ومفاهيم الفعالية والجودة والمحاسبة، وعدد من القيم المتضمنة في الوثيقة الدستورية”.
ويؤكد إدمينو أن التجارب المقارنة في التدبير عبر العالم، والتي أثبتت نجاحها، تستخدم أساليب وتقنيات مختلفة؛ منها مؤشرات قياس أداء الموظف والتعاقد على أساس أهداف والتقييمات الدورية، إضافة إلى التحفيز والتكوين المستمر.