جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-
الزهرة المسعودي-
عنوان يثير لدى قارئه الاستغراب، فيطرح عدة أسئلة منها: من تكون هذه المرأة التي تخشى الحب؟ وما الاسباب التي جعلتها تخشى الحب الذي يتمنى الكثير ان يحظى به؟ هل هي امرأة مختلفة على باقي نساء العالم ام ان هذه المرأة مرت بتجربة حب سابقة تركت في قلبها جرحا داميا لازال ينزف او انحبس نزيفه للتو ولا تريد دميه مرة اخرى ؟
بطلة قصتنا ماريا امرأة استسلمت للقدر، الذي لم يرحمها.. امرأة تزوجت زواجا تقليديا، فكانت ضحية لزوج أراد استغلال اسرتها الميسورة ماديا للتكلف بمصاريف حياته، وكانت يعاملها كخادمة، وبعد سنتين شقيتين لم تمرا مرار الكرام، حصلت ماريا على طلاقها ليشعرها ذلك بالاستقلالية والحرية، التي كانت تطمع فيها وهي بين ايدي زوجها.. لقد تخلصت منه لكن مصطلح مطلقة ظل يراودها ويكبله.. حصلت ماريا على حرية مشروطة. ظل المجتمع المتخلف يكبلها، وهووالذي ينظر الى المرأة المطلقة كعالة يلقى اللوم عليها عكس الرجل الذي تحي به كلمات المواساة من كل الجهات.
عادت ماريا الى اهل بيتها حيث اخوتها الذين تعتبرهم أبناءها، لتلبي غريزة الأمومة، فزواجها السابق لم يثمر بأي طفل بسبب عقم زوجها .
ماريا التي يسعدها الاعتناء بإخوتها وترتيب بالبيت كما تفعل أية امرأة، فتخلق السعادة بهذا بالاكتفاء بذاتها، وها هي الآن تسخر من القدر الذي رفض العطف عليها من خلال تجربتها الاولى في الزواج.
جاء في الرواية” قبل الزواج كانت أحلامي بشساعة البحار والمحيطات. كنت أظن العالم هدية لي، سأستمتع بها كما أشاء. أحلامي اليوم تضاءلت حتى أضحت عصية عن التعبير عن نفسها أو تظهر لرائيها. نعم لم أحزن كثيرا بسبب ذلك. اتبعت استراتيجية فعالة في مواجهة الأمر ..خلقت السعادة مما هو متوفر لدي، واكتفيت بذلك. لم أعاند القدر في اختياره. بل تجاهلته. وتمادى بي الأمر إلى أن أصبحت أسخر منه. في أعماق نفسي كنت أردد :” أستحق أكثر من ذلك بكثير.. لكن لا بأس”. كنت أكتفي بذلك ،لكنني عاهدت نفسي عهدا غليظا بأنه حين تأتي ساعة الرحيل، أقصد الموت سأبتسم للقدر ابتسامة ساخرة. ربما قد تفيدني في أن أشفي غليلي منه، وأرد له الصاع صاعين. أتصور نفسي خلال تلك اللحظة، وقد عادت لي كل قواي وصلابتي، بل استقرت كل صلابة العالم في قلبي من أجل تنفيذ مهمتي الأخيرة، بالتأكيد سيكون أفراد عائلتي محيطين بي، وهم يرمقونني بأسف وحسرة ظاهرة، وبالتأكيد ستتسرب إلى أنفسهم الحزينة بعض العبارات من قبيل ” عاشت عمتي أو خالتي وحيدة، وهي لا تستحق ذلك”. سأطلب منهم أن لا يشيعوا جثماني بالبكاء، وأن لا يأسفوا على رحيلي، بل أحثهم على الاستمرار في حيواتهم وكأنني لا أزال بين ظهرانيهم..أحنو على هذا، وأربت على ظهر ذاك..وأتوسط بينهم لحل مشكلاتهم الصغيرة الطارئة، وأقدم لهذه وتلك النصيحة إذا ما رغبت في شراء فستان أو هدية.. ”
رفضت ماريا اعادة الكرة وإعادة تجربة الزواج، لقد أصبح الرجال يتشابهون في رأيها.
وقد ختم كاتبنا روايته كما بدأها، بعبارة: هل يمكن لمكالمة بسيطة أن تغير حياة المرء؟
كادت ان تغيرها لولا صراعات دارت داخل ماريا التي رفضت اعادة تكرار فكرة الحب في داخلها وكلما تذكرت تجربتها القاسية ألغت جميع أحلامها وهلوساتها.
وكان سبب هذا الصراع مخرج ألقى حبال حبه وشغفه وتفننه وإبداعه على المسرح ليؤلف مسرحية مختلفة عن باقي المسرحيات وبهذا حقق نجاحا باهرا.
والتقاء هذا المخرج مع ماريا جعلها تعود الى أحلامها الميؤوس منها، وتساءلت، هل حقا سينفتح قلبها له وتعود مشاعر ماريا المبعثرة الى مجراها.. لا لن ينفتح، وهذا يظهر لنا مدى قسوة تجربتها السابقة ومدى حدتها. وهذا ما يجعلنا نستنتج أن الانسان
يمر بتجارب صعبة فتخلف براكين تنسكب على القلب رويدا رويدا ومن الصعب العودة الى الأحلام الوردية. فقط وحدهاالافكار السوداوية التي غطت الوردية بظلامها القاتم حيث سصبح صاحبها كتلة يصعب التعامل معها كتلة انصهر فيها قلبها
وخافت الخوض في تجارب أخرى، فلم يعد القلب يتحمل صدمات أخرى.
ختاما يمكننا القول إن الكاتب مصطفى لغتيري جمع بين مواضيع عدة في اسطر لا تتجاوز 102.. حقا هذا يبين لنا مدى براعة الكاتب حيث اعتبر شخصية ماريا وسيلة للتطرق الى العديد من المواضيع، خاصة التي يعاني منها المجتمع، والتي لا تخفى على احد كنبذ المرأة المطلقة وظاهرة المثلية والمسرح التجريبي والفن.. كلها مواضيع يجب اعادة النظر فيها من زوايا أخرى كما فعل الكاتب مصطفى لغتيري في روايته امراة تخشى الحب.