جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
تشكل امتحانات البكالوريا هاجسا لبعض التلاميذ الذين يتخوفون من الفشل ويخشون مواجهة أسرهم في حال تعرضوا لعائق حال دون نجاحهم، وكنتيجة لهذا الهاجس تُسجل حالات لانتحار تلميذ أو تلميذة، على غرار ما حدث يوم الاثنين 10 يونيو 2024 بمدينة آسفي. فما الذي يدفع تلميذا لوضع حد لحياته؟ وكيف يجب التعامل لتفادي مثل هذه الحالات؟
وضعت تلميذة، في أول أيام امتحانات الثانية بكالوريا، حدا لحياتها بعد ضبطها في حالة غش وإخراجها من قاعة الامتحان بمدينة آسفي، بحيث لم تتقبل الواقعة وقررت الانتحار تاركة رسالة صوتية متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد أن السبب هو ضبطها في حالة غش وإخبارها بعدم إمكانية اجتياز أي امتحان بعد ذلك.
تجنب الضغط
وفي هذا الإطار، يؤكد عادل غزالي أستاذ علم النفس الاجتماعي بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية، أن الخطاب الموجه للتلاميذ له دور مهم في تكوين شخصيتهم، مشددا على أهمية تغيير الخطابات الموجهة للتلاميذ الذين يجتازون امتحانات البكالوريا وتجنب الضغط الكبير الممارس عليهم سواء من المدرسة أو الأسرة.
وأكد غزالي، في تصريح لـSNRTnews، على ضرورة أخذ صيغة تربوية في الخطاب الموجه للتلميذ، وذلك بالنظر لكونه مراهق “ومن سمات المراهق المخاطرة دون التفكير في العواقب، فضلا عن مشكل تدبير الانفعالات”.
واعتبر الأستاذ الجامعي أن حالات الانتحار في صفوف التلاميذ تبقى معزولة وليست ظاهرة اجتماعية، إلا أنها تتطلب اهتماما من طرف جميع المتدخلين في العملية التربوية لمعرفة الأسباب والدوافع والبحث عن الحلول.
ويرجع أول دافع وراء إقدام التلميذ على وضع حد لحياته أو الخوف من المواجهة، وفق غزالي، إلى الضغط الكبير الذي باتت تمارسه بعض الأسر خاصة الأمهات على الأبناء، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، “فمثلا مرافقة الأمهات للتلاميذ خلال يوم الامتحان والانتظار طوال اليوم بالخارج إلى غاية انتهاء الابن أو الابنة من الامتحان يعد بحد ذاته نوعا من الضغط الممارس على التلميذ ولو بنية حسنة، بحيث يتعدى الأمر المواكبة للضغط المبالغ فيه”.
مواكبة نفسية
كما تطرق أستاذ علم النفس الاجتماعي إلى إشكالية “التهويل الكبير” لامتحانات البكالوريا، والذي يساهم أيضا في زعزعة ثقة التلميذ وفي زرع الخوف بداخله، “علما أن هناك اختبارات جد مهمة في مسار الطالب والتلميذ لا يتم تهويلها بهذه الطريقة، مثل مباريات الولوج إلى مهن مهمة”.
ومن بين الأسباب أيضا، تحدث غزالي عن التهافت على المدارس العليا التي تطلب معدلات خيالية، والتي تعد أيضا نوعا من الضغط على التلميذ، “إذ أصبحت العتبات تطرح مشكلا عند مختلف الأسر ما يستدعي إعادة النظر في ذلك من طرف الوزارة الوصية”.
كما نبه غزالي من ابتعاد بعض المشرفين على الامتحانات عن الطابع التربوي “وارتداء عباءة رجل الأمن” في تطبيق القانون، داعيا إلى استحضار روح القانون خلال تطبيق بعض العقوبات ومراعاة الأسلوب المناسب للتعامل مع التلميذ المراهق عبر تأديبه دون إهانته.
وشدد الأستاذ الجامعي، في ختام تصريحه، على ضرورة توفر كل مركز امتحان على أخصائي نفساني يتدخل في هذه الوضعيات لمعرفة كيفية التعامل مع التلميذ المراهق دون معاقبة أو لوم.
الخوف من المواجهة
من جهتها، أكدت منى الصباحي، كوتش تربوي، أن قرار الانتحار يأتي نتيجة تراكمات وضغوط نفسية مسبقة يعيشها التلميذ، بحيث يتم تفجير هذه التراكمات مع أول فشل يعتبره “مصيري” يمكن أن يتعرض له.
وأبرزت أن دوافع الانتحار متعددة، خصوصا لدى هذه الفئة العمرية، على رأسها الخوف من المواجهة واندثار حلم أو مسار كان يرسمه طيلة مشواره الدراسي، مشددة على دور الأسرة في التوجيه الصحيح للأبناء وفي مواكبتهم بشكل صحيح لتصحيح بعض المغالطات التي أصبحت سائدة.
واعتبرت الصباحي، في تصريح لـSNRTnews، أن الضغط الكبير الممارس من طرف الأسر والتركيز على النقاط بدل التحصيل العلمي والدراسي من الأسباب التي تزرع هذا الخوف في نفوس التلاميذ.
الفشل نقطة تحول
وشددت على ضرورة التركيز على الحب اللامشروط بين الآباء والأبناء وعدم ربطه بالمعدل المحصل عليه، بل تشجيعهم على الدراسة وحب العلم وتعليمهم كيفية النهوض مجددا بعد الفشل.
كما تطرقت الخبيرة التربوية إلى مشكل “التنافس السلبي” الذي يتعرض له الأبناء عبر مقارنتهم بأقرانهم، دون الانتباه إلى ما يميز كل طفل عن الآخر ومهاراته وميولاته، مبرزة أن بعض الأساليب التربوية تجعل التلاميذ يتجهون إلى الغش من أجل الحصول على نقط جيدة دون تحصيل علمي جيد.
وأكدت أن إمكانية الفشل واردة في مسار كل إنسان ويجب تقبلها، والنهوض من جديد، مشيرة إلى أن العديد من لحظات الفشل تشكل نقطة تحول في شخصية وحياة الإنسان.