انعكاس مظاهر التصوف في رواية الأطلسي التائه لمصطفى لغتيري منيرة الزباعي

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

انعكاس مظاهر التصوف في رواية الأطلسي التائه لمصطفى لغتيري

منيرة الزباعي

أستاذة مساعدة في قسم اللغة العربية وآدابها،

جامعة فردوسي مشهد،

مشهد، إيران.

 

لعبت الفرق والطرق الصوفية في العالم الإسلامي دورًا هامًا في التطورات الاجتماعية. وقد انعكست معتقداتها بشكل كبير على الأدب؛ إذ أُنتجت العديد من الأعمال الأدبية القيّمة في هذا المجال خلال التطور التاريخي للأدب والثقافة العربية.

ويُعد مصطفى لغتيري كاتبًا مغربيًا معاصرًا بارزًا، وهو من بين أولئك الذين كان للتصوف انعكاسات رائعة في فكرهم ولغتهم، وقد تأسس فكره في بيئة صوفية.

وفي روايته الشهيرة “الأطلسي التائه”، استغل لغتيري الأسرار الدينية الإسلامية لتصوير مظاهر التصوف والتصوف بنجاح. ويُستخدم المنهج الوصفي التحليلي هنا لدراسة مظاهر التصوف والتصوف في الرواية المذكورة. تشير نتائج دراسة رواية “الأطلسي التائه” إلى أنها تتكون من مفاهيم صوفية عرضها المؤلف بلغة سهلة ومألوفة من خلال شخصيات الرواية، ومشاهدها الدقيقة، وصورها التفصيلية. الصمت، والضوء، والنوم والحلم، والموسيقى، والرقص والغناء، والعزلة والانفراد، والصبر، وغيرها، هي مظاهر التصوف في هذه الرواية.

تُناقش الرواية هذه المكونات فنيًا، ولها دور فعال في سرد ​​مغامرات القصة وجاذبيتها.

 

١. مقدمة

في القرن الحالي، أدرك الروائيون العرب أن الأدب القصصي يجب أن يعكس واقع مجتمعاتهم واحتياجاتها، فأعادوا بناء تراث الماضي في بنية جديدة، وأعطوا هوية جديدة للرواية العربية المعاصرة.

وتُعدّ مساهمة المغرب العربي في هذا المجال كبيرة. فقد اقترح روائيو المغرب العربي، مستلهمين التراث الإسلامي، شكلاً من أشكال الرواية يُسمى الرواية الصوفية، وقد استلهموا من المشرق العربي في ثرائه وجودته.

وفي المغرب والجزائر، على وجه الخصوص، تعمق كتّاب كبار مثل مصطفى لغتيري وطاهر وطار في التراث الديني، مُصوّرين العلاقة بين الأدب والدين، مُبدعين أعمالاً قيّمة ذات طابع صوفيّ.

بهذه الطريقة، أصبحت الأعمال الروائية وسيلةً مناسبةً لنقل المفاهيم الصوفية، بحيث تُعرض الأفكار الصوفية على الجمهور بهذا الشكل الجديد، بلغةٍ أكثر تعبيرًا وفهمًا.

 

انطلق “لغتيري” في كتابة روايةٍ ذات طابعٍ صوفيّ في المغرب، وحقق نتائجَ باهرةً في مسيرته. تأثرت منظومته الفكرية ببيئةٍ صوفية، بحيث يُمكنك رؤية المسار الصوفي الذي يهيمن على بيئته في جميع أعماله. وتُعد رواية “الأطلسي الطائي” من أشهر رواياته، التي تُعبر عن أفكار وآراء “أبو يعزي الهسكوري” حول متصوفة وشيوخ الصوفية المغاربة في القرن السادس الهجري. تحاول هذه المقالة الإجابة على سؤالين أساسيين من خلال تحليل تجليات التصوف في الرواية المذكورة، وذلك للوصول إلى الأفق الفكري للمؤلف ومكانة الدين في فكره:

1) إلى أي مدى تُعبّر عبارات التعاليم الصوفية في هذه الرواية عن الحقائق؟

2) هل للتصوف في الرواية المذكورة بُعدٌ عاطفي أم بُعدٌ معرفي؟

2. منهجية البحث

يحاول هذا البحث اكتشاف مكانة الدين في فكر المؤلف من خلال تحليل التصوف والتصوف في رواية “الأطلسي الطائي”، مستخدمًا المنهج الوصفي التحليلي، معتمدًا على المبادئ الصوفية. لهذا الغرض، تمت دراسة الرواية المعنية أولًا، ثم بالاعتماد على الشخصية الرئيسية وعلاقتها بالشخصيات الأخرى، وتحليل سلوكها الصوفي والتعرف عليه، واستخلاص مظاهر التصوف، وأخيرًا تم شرح هذه المكونات في الرواية المذكورة.

 

3. المناقشة

 

الموضوع الرئيسي للرواية هو سيرة المتصوف المغربي الشهير أبي يعزى الهسكوري، التي تصف حياته وتجربته الصوفية على لسان الشخصية الرئيسية في الرواية (أبو يعزى). تبدأ أحداث القصة من طفولة أبي يعزى وإرساله إلى الشريف شرقاوي لرعي أغنامه، وتستمر حتى بعد زواجه بفترة وجيزة. في الواقع، يتشابك التصوف والتصوف في نسيج الرواية، وقد صوّر الكاتب، سواءً في وصفه للخصائص الخارجية لشخصية أبي يعزى، أو في تصويره لشخصيته وسلوكه، أو في المواقف والأحداث التي تطرأ عليه خلال أحداث الرواية، تجليات التصوف في كل مكان. يُعدّ تعلم آداب الصمت وفن الإنصات من أول شروط الخوض في عالم المعنى، وهو ما يتعلمه أبو يعزى من صديقه إبراهيم، وعندما يظهر في حضرة الشرقاوي وأبي شعيب، يسلك درب الصمت كتلميذٍ في مدرسة مراد. ويكتشف تدريجيًا أن طريق التصوف قد دفعه إلى الانفصال عن النظرة السائدة للحياة، باحثًا عن حقائق تتجاوز العادات.

ومن المواضيع الأخرى التي تُطرح في الرواية موضوع “تجليات الأنوار الإلهية التي لا تظهر إلا في القلب اليقظ”. (الشرقاوي، ١٩٩٢: ٧٤) يُدرك الكاتب هذا النور ويرصده في وجود “التوليب”، رمز الإنسان الكامل، وبهذه الطريقة يُصوّر الكاتب تجربة الحب والتواصل كأسمى تجربة صوفية. ويُظهر بذلك كيف يُدرك أبو يعزى أيضًا طبيعة روحه الإلهية من خلال مواجهة الحقيقة العليا خلال هذه التجربة. “الأحلام والرؤى، التي تُفسّر على أنها كرامة بين الصوفيين والمتصوفة، وهي تجارب حقيقية” (الجعفري، ٢٠٠٣: ٤٠) تُعين شخصية القصة كأداة، فتُكشف له بذلك الطريق الذي يجب أن يسلكه لاكتساب المعرفة. كما تلعب الموسيقى وتأثير موسيقى القصب دورًا في هذه الرواية، وقد أصبح الرابط الذي يربط الشخصية الخيالية بالعالم ذا معنى، ويضعها في حالة من التطور والروحانية. ويرتبط تحول حال أبي يعزى بهذه النظرة في التصوف القائلة بأن “التغير في حال النفس بسبب سماع صوت المنادي”

ومحسني، ١٤٠٠: ١٣٤) والموسيقى مثالاً. تُذكّر تذكارٌ من عالم الملكوت المستمع بالأصوات المقدسة (وقتي وآخرون، ١٤٠٠: ٢٦٢) وصوتها الحزين تفسيرٌ لحزن فراق الإنسان وغربته عن وطنه الأصلي. (سيرامي، ٢٠١٧: ٣١٠) يرى المقدس والسماوي، الذي يفكّ رموز أكثر طبقات كيانه غموضًا؛ يسمع نداء الحقيقة من كل نغمة، ومن كل أغنية يسمع دعواتٍ وإيماءاتٍ من محبوبه، وهذه الحالة من النشوة والانجذاب تجعله يرقص وينصت. أبو يعزى، كأي متصوف يرى في الذات أكبر عائق أمام بلوغ مرتبة الاتصال، يحاول إيجاد سبيل إلى معرفته الباطنية من خلال التكاتف والانفراد في جبل الطاغيه، وبتدميره للصفات الإنسانية، يحقق الاتصال بالنبي والصديق والنجاة في الله.

 

4. الخاتمة

1) تتسم الطروحات الصوفية في رواية الأطلسي التائه بمنهج واقعي؛ باختياره أحد المتصوفة المغاربة كشخصية رئيسية في القصة، نجح لغتيري في شرح الحقائق الصوفية. وباستخدامه مواضيع مثل: النور وتجلي الحقيقة، والنوم والأحلام، والسمع، والصمت والانفراد، وغيرها، في روايته وفي سياق سرد القصص، وضع هذه الأمثلة في خدمة التعبير عن التعاليم والمفاهيم الشائعة في التصوف. لم يكن ميل المؤلف نحو التصوف بلا تأثير في تحقيق القضايا التي تصورها الرواية؛ إذ يقدم لغتيري تجارب الشخصية الأولى في القصة للجمهور في إطار التصوف، وبما يتوافق مع كل ما يحدث طبيعيًا للشخص الصوفي، كما يُظهر من خلال هذا العمل أفقه الفكري وميوله الصوفية.

 

2) في رواية “الأطلسي التائه”، ذات النبرة الصوفية، يتشابك جانبان من الطبيعة العاطفية والمعرفية للتجربة الصوفية؛ فكلما قصد راوي القصة نقل الأفكار والتعاليم الصوفية، عبّر عنها بكلمات ومصطلحات ومفاهيم صوفية، كالانفراد والإدراك وتجلي الحقيقة، وعندما تظهر التجربة الصوفية في سياق المشاعر والعواطف، عبّر عنها الجمهور. يرى ذلك في حب شخصية القصة وتضحيتها وتضحيتها واحترامها للآخرين ومساعدتها لهم. كذلك، في مناقشة الرقص والاستماع إلى الشخصية الروائية، يبرز البعد العاطفي للتجربة الصوفية بشكل أكبر. أو في حالة الموسيقى، وهي قصة ساحرة تُعبّر عن المشاعر الإنسانية الباطنية ببراعة بلغة المشاعر، فإن هذا العنصر في الرواية محل النقاش يستحضر مشاعر الباحث الصافية من خلال حدس التجليات الإلهية، وترى الشخصية الروائية النوتات الموسيقية كنغمات سماوية. بهذه الطريقة، يُركز المؤلف بشكل أكبر على انفعالية التجربة الصوفية، ويطغى هذا الجانب من التصوف في روايته على طبيعتها المعرفية والمعرفية.

 

5. المراجع

 

أدونيس، أ. (1986). الثابت والمتحول. المجلد 3، الطبعة الخامسة. بيروت: دار الفكر. الجعفري، ع. (2003). عالم ومظاهر الصوفية. الطبعة الأولى. القاهرة: الدار الثقافية.

بحر العلوم، م. (1997). رساله سير وسلوك. وصف محمد حسين الحسيني.

مشهد: نور ملكوت القرآن.

بستاكتا، س. (2008). الرمز الصوفي في الشير العربي المعاصر. الطبعة الثانية. الجزائر: المؤسسات

بونة للبحوث والدراسات.

البخاري، م. (1991). صحيح البخاري. المجلد. 9، الطبعة الأولى. القاهرة: وزارة الأوقاف.

بيرك، إي.، لابيدوس، آي. (2000). الإسلام والسياسة والحركات الاجتماعية. ترجمه محروس

سليمان. القاهرة: مكتبة مدبولي.

جعيت، ح. (2002). بوهران فرهانج إسلامي. ترجمة سيد غلام رضا التهامي. طهران:

مكتب البحوث الثقافية.

إلاهي ظهير، إ. (1986). التصوف : المنشا و المصادر . الطبعة الأولى. لاهور: تفسير

إدارة السنة.

فالي، م. (2011). تجريبي ديني ومكاشف عرفاني. الطبعة الرابعة. طهران: الثقافة والفكر الاسلامي.

فريد تنكابوني، م. (2012). رهناماي انسانيات. الطبعة 17. طهران: دار نشر الثقافة الاسلاميه.

هيما، أ. (2014). الخطاب الصوفي وعاليات الطويل: قراءة في الشعر المغاربي المعاصر.

قسنطينة: دار الأمير خالد.

ابن الزيات، ي. (1997). التشوف إلى رجال التصوف. الطبعة الثانية. الرباط: منشورات د

كلية الآداب.

لابيدوس، آي. (2002). طارق جوامي الاسلامي. ترجمة علي بختياري زاده، طهران: اطلاعات.