تأملات في قصة ما يشبه الحلم للكاتب مصطفى لغتيري

جريدة أرض بلادي_ابراهيم لخليف_

 

للقصة مرام ومقاصد. فهي ترتكز على شخصيتين بينهما فارق عمري كبير: شيخ هرم يزحف به الزمن نحو الأجل المحتوم وطفلة في مقتبل العمر. فالكاتب لعمري وظف عملية التناص في حكيه حين يقصد بهذا التقابل عمر الانسان. وأمعن في ذلك لما أخبر أن الشيخ والطفلة يسكنون بجوار بعضهما البعض تفصل بينهما قطعة أرضية ( اي العمر) بها شجرة جرداء وكأنما يعني بذلك تقلب الزمن بين اخضرارها و سقوط أورقها في رحلة الشتاء والصيف، تتدلى منها أرجوحة تندفع على وقع حركة منتظمة أي الزمن. ففي آخر النهار حيث تشرف الشمس على المغيب (نهاية العمر) يجلس الشيخ وحيدا في حالة انكسار. تلوح له الطفلة فتطفو على وجهه سيماء الانشراح. تركض نحوه بعنفوان. ضفيرتها تتراقص وراء ظهرها تعبر عن بهجتنا (وعن بهجته هو) بهذا اللقاء. يستقبلها بفرح طفولي ويبدي كثيرا من العطف على الطفلة. يمسح وجهها الاغبر فكأنما يحاول مسخ الغبار عن ماضيه ليتكشف، في حين الطفلة حينما تطلب منه ان كان ممكنا له ان يجاريها في شغبها اللطيف فكأنه يحن الى الزمن الماضي. في الخلفية نباح الكلب يعبر عن استفزازت وعوادي الزمن التي تحاول عرقلة مسار بطل القصة لكنه لا يأبه بها. فالأمر بالنسبة اليه لا يعدو الا ان يكون عاديا لان هي هكذا طبيعة الحياة.

في لوحة ثانية يتكلم الكاتب باسم الطفلة حين يغالبها النوم وتكتسحهاالأحلام.

تنبجس فيها صور جميلة (النور الساطع) ويظهر فيها الشيخ بشكل ألق يبث في نفسيتها كثيرا من الاطمئنان.

هكذا يبدو كقراءة أولية. في حقيقة الأمر وظف الكاتب ببراعة تمازج الصور كما تمازج الشخصيات.

خلال تلك الأحلام يرى الشيخ نفسه وماضي حياته يتمثلان في الطفلة في نفس الآن. يعود به الزمن الى الوراء ليسلط الضوء عليها وليقدم لها صورة بهية. حاولت الفتاة ان تلامس الشيخ ولكن باءت محاولتها بالفشل. بهذا الموقف يعبر الكاتب عن استحالة تداخل الزمن، بين الطفلة اي الشيخ في زمنه الماضي والشيخ في زمنه الحاضر. لكن عندما تستفيق في اليوم الموالي على الخبر الصادم أي وفاة الشيخ لم تستوعب ما حصل فتتجه نحو الأرجوحة (عجلة الحياة) تنتظر دورها في حين انبثق ذلك الكلب يلقي بمائه وكأنه يزدري الحياة. حياة الشيخ، حياة الطفلة وحياة كل الناس.