جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
مقاربة قانونية وواقعية لمشروع قانون المسطرة المدنية”
العدالة، وإعلان لجنة الحقوقيين الدولية في 12 دجنبر 2012 المتعلق بالولوج إلى العدالة والحق في الاستئناف ضمن الأنظمة الدولية لحقوق الإنسان، وأشغال الفيدرالية الدولية لعصب حقوق الإنسان حول الضحايا والولوج إلى العدالة وكذا أعمال المنظمة غير الحكومية “وورلد جاستيس بروجكت” عن مؤشر احترام القانون والولوج إلى العدالة.
وقد عكس قانون التنظيم القضائي الجديد من جهته هذا النقاش، وحسم الأمر تقريبا باتجاه توفير خدمة قضائية قريبة من إقامة المتقاضي، وأنه، في سبيل ذلك ألغى تقريبا تجربة التخصص التي عرفها المغرب لمدة طويلة في المجالين الإداري والتجاري، إلا أنه يمكن اختزال مبدأ تقريب القضاء من المتقاضين في حدود تقريب بنايات المحاكم من المتقاضين على أهمية التدبير فالمفهوم أشمل وأوسع .
وقد حاول المشرع المغربي أن يقرب القضاء المدني وظيفيًا من المتقاضين وذلك عبر إيجاد آليات قانونية تسمح بتصنيف القضايا إلى قضايا كبرى وأخرى أقل أهمية، بحيث جعل الأولى من اختصاص قضاء القرب المنظم بمقتضى القانون رقم 10/42 الذي يختص بالنظر في الدعاوى الشخصية والمنقولة التي لا تتجاوز قيمتها خمسة آلاف درهم عدا النزاعات المتعلقة بمدونة الأسرة والعقار والقضايا الاجتماعية والإفراغات، وجعل المسطرة أمام قضاء القرب شفوية ومجانية عبر جعلها معفاة من الرسوم القضائية بخصوص الطلبات المقدمة من طرف الأشخاص الذاتيين، وأما باقي القضايا المدنية فقد جعلها المشرع من اختصاص المحكمة الابتدائية بمقتضى الفصل 18 من ق.م.م.
وأما القضايا الإدارية فقد جعلها المشرع من اختصاص القضاء الإداري المحدث بمقتضى القانون رقم 41.90، بحيث تختص هذه المحاكم كما تنص على ذلك المادة الثامنة من قانون إحداث المحاكم الإدارية، ومع مراعاة أحكام المادتين 9 و11 من نفس القانون.
وتجدر الإشارة إلى أنه من حسنات مشروع ق.م.م أنه قد جمع شتات النصوص القانونية المؤطرة لهيكلة واختصاصات مختلف المحاكم المتخصصة، بمعنى أننا سنكون أمام نص قانوني واحد ينظم المساطر أمام مختلف المحاكم عوض اللجوء إلى نصوص قانونية كانت ولا تزال مشتتة عبر الزمان.
كما أنه أخذ بعين الاعتبار مجموعة من المستجدات على مستوى العمل القضائي وتوصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة وكذا المستجدات المرتبطة بالاختصاص الترابي للمحاكم التي تحمي المتقاضي باعتباره مستهلكًا لمنتوج العدالة.
مقومات الولوج إلى العدالة
يمكن اختزال مقومات الولوج إلى العدالة في تقريب بنايات المحاكم من المواطن، وتطوير نظام المساعدتين القضائية والقانونية، وتقوية دور الدفاع ومقومات أخرى.
1. تقريب المحاكم من المتقاضين
عملت الدولة جاهدة على تنزيل هذا الهدف الكبير والتحدي الجدي، لملاءمة التقطيع القضائي مع التقطيع الجهوي لتصبح الجهات الاثني عشر تتوفر على محكمة استئناف على الأقل، وفي هذا السياق يأتي خلق محكمة استئناف بمدينة كلميم باعتبارها المدينة الرئيسية بجهة كلميم واد نون.
2. إصلاح نظام المساعدة القضائية وتنظيم المساعدة القانونية
يعد إصلاح نظام المساعدة القضائية وتنظيم المساعدة القانونية من أبرز مداخل الولوج إلى العدالة، تماشيًا مع المستجدات التي جاءت بها مقتضيات الدستور الجديد، وتوصيات الحوار الوطني حول إصلاح العدالة، والتزامات المغرب على الصعيد الدولي. وقد تبيّن أن معظم المتقاضين يجهلون نظام المساعدة القضائية، مما يحرمهم من الاستفادة من هذا الحق الذي يخوله القانون، بالإضافة إلى كون النظام المعمول به حاليًا معقدًا، مما يحدّ من استفادة المتقاضين المعوزين منه.
حتى في المادة الجنائية، أثبت النظام محدوديته بسبب التأخر في حصول الدفاع على الأتعاب، خاصة المحامين الشباب، مما يجعل العديد منهم غير مبالين بالمشاركة نظراً لغياب التحفيز، بالرغم من وجود مبالغ مرصودة قابلة للرفع كل سنتين.
وقد تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 شتنبر 2012 العمل على ضمان حق الجميع في اللجوء إلى العدالة على قدم المساواة، كما أن إعلان جوهانسبرغ الصادر في 26 يونيو 2014، حثّ الدول على إدماج الولوج العادل إلى العدالة والحصول على المساعدة القانونية ضمن أهداف التنمية.
صعوبات الولوج إلى العدالة:
تبقى صعوبة الحصول على المعلومة، وارتفاع الرسوم القضائية، واستمرار المسطرة الشفوية، وعدم إلزامية الدفاع في بعض المساطر، وعدم الدراية بسير أطوار القضية، وبطء المسطرة، وصعوبة التتبع الإلكتروني للقضية، وأتعاب الدفاع… إلخ، من أبرز الصعوبات التي تواجه المواطنين أثناء ولوجهم للعدالة، منها ما تم تجاوزه، أو تجاوز جزء منها، ومنها ما يحتاج إلى نقاش هادئ وبنّاء.
أما بالنسبة للعوائق التي تحدّ من فعالية الحق في الولوج إلى العدالة كمحدد أولي من محددات المحاكمة العادلة، فيمكن اختزالها في المصاريف القضائية المرتفعة، والتي لا تتناسب مع دخل العديد من المواطنين، والتعقيدات المرتبطة بالاستفادة من المساعدة القضائية، وغياب إطار قانوني للمساعدة القانونية.
ومن أهم العوائق القانونية المرتبطة بحق الولوج إلى العدالة المغربية هو تعقيد المساطر القانونية وعدم تعميم إلزامية التقاضي بواسطة محامٍ، إذ يؤدي غياب هذا الإلزام إلى انعدام الشعور بالأمان داخل المحاكم، وإلى وقوع بعض المواطنين في أيدي السماسرة، أو التخوف والعدول عن ولوج العدالة لحماية حقوقهم.
الشروط الأساسية للمحاكمة العادلة ودورها في تحفيز المتقاضي للولوج إلى العدالة:
إصلاح منظومة العدالة لا يمكن أن يتحقق إلا عبر تقوية الموارد البشرية، والبيئة المؤسساتية، والأخلاقية، وتقوية دور المحامين، حيث يلعبون الدور الرئيسي في تحقيق العدالة.
كما أن تبنّي سياسة للقرب القضائي أصبح مطلباً مُلحّاً، خاصة في ظل النقاش حول التعديلات والتوجه نحو مفهوم جديد للعدالة، الذي أسست له المرجعية الملكية في 2010، حيث أكد جلالة الملك محمد السادس أن القضاء يجب أن يكون في خدمة المواطن، مما يعزز الثقة والمصداقية في قضاء فعّال ومنصف.
لقد عبر جلالة الملك محمد السادس، في عدة مناسبات، عن رغبته في إصلاح المنظومة القضائية عبر ترسيخ مفهوم “القضاء في خدمة المواطن”، من خلال جعل العدالة قريبة من المتقاضين، بسيطة في مساطرها، نزيهة في أحكامها، ومعاصرة في هياكلها، بحيث تكون كفاءة وتجرد قضاتها عاملاً أساسياً في تحقيق التنمية والالتزام بسيادة القانون ورفع المظالم.
كما أكد جلالته في الخطاب الملكي السامي ليوم 9 مارس 2011 على أهمية الارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة، وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، لضمان سمو الدستور والمساواة أمام القانون.
تسريع وتيرة معالجة القضايا:
يقال إن العدالة البطيئة ظلم، لذلك بات من الواجب ونحن في مرحلة إعادة النظر في الترسانة القانونية المرتبطة بالمساطر أمام المحاكم، أن يتم وضع مقتضيات بمشروعي المسطرتين المدنية والجنائية لتمكين القضاة من البت في القضايا داخل آجال معقولة، وذلك بتفعيل اللجان الثلاثية وتيسير التواصل بين مختلف الجهات المعنية.