أول جريمة قتل في رمضان”، جملة تتداولها الساكنة ومرتادو وسائل التواصل الاجتماعي كلما حدثت جريمة في الأيام الأولى من الشهر الأبرك بمدينة طنجة، وهي جملة غريبة توحي بأن صاحبها مازال يترقب وقوع جريمة ثانية وثالثة.. وهكذا.
والمؤسف أن واقع الحال يقول إن هذا ما يحدث فعلا في كلّ رمضان بطنجة؛ حيث تكثر الجرائم بشكل غير عادي، ويصل الكثير منها إلى درجة القتل، في ظاهرة غريبة ومحيّرة باعتبار أن رمضان هو شهر الرحمة والتوبة والرّوحانيات.. أو هكذا يفترض أن يكون.
ورمضانُ هذه السنة لم يشذّ عن هذه العادة، وكانت أولى ساعات صباح اليوم الأول كافية ليتمّ الإعلان عن مقتل أول الضحايا في منطقة بوخالف بيدٍ شريك له في السكن بسبب خلاف تافه حول أداء فواتير الماء والكهرباء.
أما في رمضان السنة الفارطة (2015)، فقد سُجّلت بطنجة خمس جرائم قتل، بأحياء مختلفة من المدينة، كان أشهرها مقتل شرطي المرور الذي دهسته سيارة نقل مزدوج إثر شنآن بين الرّاحل والسائق.
الظاهرة غريبة لكنها قد تكون مُفسَّرة، باعتبار أن عدة عوامل تتداخل لتنتجَ أشخاصا ذوي فتيل قصير مستعدّين للاشتعال في أية لحظة، عواملٌ تتعلق بالإدمان، بالتغيرات النفسية والجسدية، بحرارة الصيف، وحتى بضعف إيمانِ الشخص.
للشارع رأي
يقول “سليمان.ط”، 24 سنة، أحد الباعة بسوق كاساباراطا، مُدليا برأيه في الموضوع: “أظن أن السبب هو المخدّرات بالدرجة الأولى، فأنا أشهد أكثر من شجار خلال هذا الشهر وأعرف أصحابها، ومعظمهم من المدمنين الذين يشعرون بغضب شديد منذ ساعات اليوم الأول بسبب شعوره بالإكراه على الصيام”.
يضيف صديقه عبد السلام، الذي يقاربه سنا، موضّحا: “دعني أصارحك بأن الجرائم التي سمعنا بها أو حدثت في حيّنا في معظمها لم يكن في نية فاعلها القتل، لكن الغضب الشديد جدا هو ما يحوّل الشجار العادي إلى قتل غير متعمّد، للأسف”.
ورغم ابتعادنا عن الأسواق إلا أنها بقيت المتهم الأول في نظر منير، 45 سنة، الذي قال لنا: “مجمل الجرائم التي سمعنا بها وقعت في الأسواق؛ حيث يحاول بعض المدمنين قضاء الوقت في البيع والشراء لكنهم لا يطيقون صبرا على الجوع وعلى أبسط الخلافات، فترتفع الأسلحة البيضاء وتزهق أرواح بسبب أشياء تافهة جدّا”.
ينقصُهم الصّبر
وفي تصريحٍ لأرض بلادي، في هذا الصدد، يقول الشيخ محمد الكرفطي، إمام وخطيب بمسجد السنة بطنجة: “هذا المشكل له سببان في نظري: الأوّل هو بعد الشباب خصوصا عن آداب وأخلاق الإسلام الحقيقية، بدليل أنك لا تجد شخصا من المتّقين أو المخلصين في إيمانهم ينحو هذا المنحى العنيف، بل يضبط نفسه وأعصابه ما أمكن، فهذه الجرائم وهذا العنف يحدث خصوصا بين الغوغاء الذين يقل لديهم الوازع الديني بشكل كبير”.
أما السبب الثاني، بحسب الكرفطي دائما، فهو “عدم صبر هؤلاء على الجوع، علما أن النبي صلى الله عليه وسلم سمّى رمضان بشهر الصبر، أي الصبر على كلّ شيء حتى يكون الصيام خالصا لله، فإن لم يحدث هذا يكون الجوع سببا في تهييج وثورة مجموعة من الشباب الذين لديهم حظ ضئيل من الإيمان وغير كافٍ لصدّهم عن الشجار والعنف، ونحن نعلم بأن الجوع كان دافعا للثورة على صعيد دولٍ بكاملها، ويمكن قياس الأمر على نطاق أصغر، دون أن ننسى أن الشياطين تكون مصفّدة هذا الشهر”، يوضّح الكرفطي.
اضطرابات نفسية وعصبية
الدكتور محمد حسون، اختصاصي في الطب النفسي، أوضح أن القتل هو امتداد لحالة عنفٍ قد يؤدي إلى ضرب وجرح أو قتل، فالمقصود منه ليس القتل بالضرورة بل هو أذية الآخر.
يضيف حسون: “الدراسات التي بين أيدينا الآن لا تؤكد أن هناك ازديادا لجرائم القتل في رمضان، لكن ما يحدث هو أن وقعَ الجريمة نفسها يكون له صدى كبير لأنه وقع في شهر خاصّ، فنربطها نحن بشهر رمضان بينما قد تكون غير ملحوظة لو حدثت في شهر آخر، الزمان والمكان يلعبان دورهما في الأثر الذي تتركه هذه الجرائم لدى المتلقي”.
لكن حسّون يقرّ بأن هناك حالات عنف يكون سببها الجوع أحيانا أو الحرمان من مخدّر أو غيره في أغلب الأحيان. فبخصوص الإدمان، يقول المتحدّث في تصريحه لأرض بلادي: “بالنسبة للإنسان العادي، فإن شعوره بالجوع قد لا يبدأ إلا بعد 6 أو 8 ساعات، حتى تكون المعدة قد هضمت وجبة السحور، أما بالنسبة للمدمن فإن أثر المخدر يذهب بسرعة وفي مدة قد لا تتجاوز الساعة الواحدة، فمن المعروف أن المخدر يتجه مباشرة نحو مستقبلاتٍ بمخّ الإنسان، والتي يتعوّد عليها المخّ فتصبح ملكا له، فعند الحرمان يبدأ الصراع مع المواد التي ينتجها المخّ، فيحصل تشنّج في الخلايا العصبية خصوصا في الفصّ الأمامي (الجبهي)، وهو المسؤول عن العنف والأذية ومجمل السلوكيات”.
ويضيف حسّون شارحا تأثير الجوع على بعض الأشخاص: “إذا افترضنا أن شخصا عنيفا يبلغ العتبة بعد 10 كلمات مستفزة مثلا، فإنه في حالة الصوم (الجوع) يبلغ عتبة الثورة والغضب بعد كلمة أو اثنتين، فتزداد بالتالي سرعة الاستجابة والرغبة في تعنيف الآخر، فيمرّ بسهولة إلى العنف، مع ملاحظة أن هناك أشخاصا يدمنون الأكل أو مادّة في حد ذاتها في وجباتهم، فيأتي رمضان ليضع حدّا لهذا بشكل مفاجئ فيكون طبيعيا أن يكون هناك تأثير”.
ويفسّر حسّون أن “غياب تدريب النفس على الصيام أيام الاثنين والخميس أو الأيام البيض يزيد من صعوبة الصيام الذي يأتي فجأة ليقطع تعوُّدا دام لمدة 11 شهرا، فيكون تعنيف الآخر وسيلة لإخراج العاطفة والتشنج العصبي والضغط”، يختم حسّون كلامه.