حدثنا القرد فقال.. للأديب مصطفى لغتيري بقلم علي المقري كاتب يمني

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

هناك تجربة ثانية من المغرب أنجزها القاص والروائي مصطفى لغتيري، الذي يبدول أن له إنتاجا غزيرا في مجال كتابة القصة القصيرة جدا. وقد جمع ثلاثا من مجموعاته، وهي “مظلة في قبر” و”تسونامي” و”حدثنا القرد فقال” في كتاب واحد حمل عنوان المجموعة الأخيرة، وصدر عن منشورات “غاليري الأدب” في الدار البيضاء. يستفيد الكاتب في قصصه من إرث الأساطير والحكايات الشهيرة، مستلهِما شخصيات مثل بلقيس والهدهد ونيوتن الذي يظهر في حال مختلف مع تفاحته الشهيرة، وكذلك آدم وحواء وتفاحتهما. ويلجأ أيضا إلى شخصيات تاريخية وفلسفية مثل نابليون وكليوباترا ونيرون وزرادشت والحلاج والتوحيدي ونيتشه وفرويد وفان غوغ.

في هذه القصص، نقرأ نصوصا سوريالية مليئة بالمفارقات، مثل نص “المرآة”: “حين تطلعت إلى المرأة، لتتأمل وجهك فيها، أذهلك فراغها. مرتبكا تقهقرت إلى الوراء، فركت عينيك جيدا. من جديد حملقت في صفحتها الصقيلة. بصلف تمدد الخواء أمامك. بعد هنيهة، تبينت حقيقة الأمر: المرآة كانت تتأمل وجهها فيك”.

كما نجد مفارقة تتقاطع مع قصّة بورخيس الشهيرة، “الآخر”، في زمن مختلف عُرف فيه ابتكار الاستنساخ ولم يدركه الكاتب الأرجنتيني: “في قصته الآخر، التقى بورخيس العجوز، على كرسي في إحدى الحدائق، ببورخيس الشاب. دار بينهما حوار حقيقي، تعرف من خلاله كل منهما على الآخر المطابق له. مندهشا، ظن بورخيس أنه يحلم.. شيء واحد لم يخطر على باله، أن يكون قد تعرض، في غفلة منه، لعملية استنساخ ماكرة”. وسنجد هذا التماهي بالآخر في نص “ذهول”: “أمامه سيارة متطابقة، بشكل تام، مع سيارته. استبد به الفضول نحوها، فقرر تجاوزها. أشعل الإشارة الضوئية الجانبية. ضغط على البنزين. حين توازى معها، حانت منه التفاتة نحو سائقها.. ذُهل.. كان هو نفسه سائق تلك السيارة”. في المنحى نفسه من المفارقات، سنجد كلبا يعود لطلب الوثاق المقيِّد لحركته بعد أن جرّب الحرية، وقاضيا يصافح متهما أعجب به لثباته على المبدأ. وتتمثل قصص الحب بين عصفور وعصفورة أو كلب وكلبة بما يشبه الأمثولة، إلى جانب بعض المِلَح والتفكه في بعض القصص، مع حضور للخطاب السياسي المباشر.

يكتب لغتيري القصة القصيرة جدا بتقنية لا تزال مرتبطة بفن القص المتعلق بوجود حدث أو حكاية أو مشهد قصصي

وتحضر القرود في معظم نصوص المجموعة الثالثة، “حدثنا القرد فقال”، وهي تجربة لافتة في استخدام الحيوان لإنجاز كتاب قصصي يدور في أجوائه، ويستعيد تجارب مماثلة في التراث العربي والعالمي حيث يدور القص على لسان الحيوان أو في عالمه. بالطبع، هناك إسقاط للتجربة الإنسانية في هذه القصص، وإن بشكل مختلف، فيظهر القرد الديكتاتور والقرد الفيلسوف والقرد العاشق والباحث عن حرّيته ووطنه الضائع.

نستخلص من جميع قصص المجموعات الثلاث أن مصطفى لغتيري يكتب القصة القصيرة جدا بتقنية لا تزال مرتبطة بفن القص، المتعلق بوجود حدث أو حكاية أو مشهد قصصي. أظنه بذلك قد تميز، إذ حافظ على فكرة القصة في هذا الشكل القصير جدا، مهما تنوعت أفكار قصصه أو مواضيعها أو حتى شكل سردها. فقد تتخذ القصة هيئة سؤال أو مراهنة، أو أشكالا عديدة ضمن هذا الإطار الصغير، سواء في هيئة فقرة مكتملة أو قصيدة حديثة، كما في هذا النص الذي يبدو زمنه متنقلا وغير لحظي:

“غضب الأب..

صفع ابنه صفعة قوية..

أحدثت في رأسه أزيزا..

تردد صداه في مسمعه زمنا طويلا..

حين كبر، أغضبه ابنه يوما..

رفع يده ليهوي عليه بصفعة..

لحظتها اخترقه الأزيز..

خفق قلبه بشدة..

تذكر بألم صفعة أبيه..

أغمض عينيه..

فتحهما..

ثم هوى على خد ابنه بصفعة قوية”.