حكيم السعودي
في مسيرة الحياة، نلتقي أشخاصًا يتركون بصمة لا تُنسى، وآخرين يشكلون علامات فارقة في كل خطوة. عبد الرحمن أجباري هو أحد هؤلاء الأشخاص، عقلٌ يدبر وقلبٌ ينبض بحب الوطن وشبابه. كان لقائي الأول به في مركز التخييم عين السبع خلال الدورة التدريبية التحضيرية عام 2000 كرئيس التدريب وقتها ان لم تخن الذاكرة، انه رجل معطاء يحمل من الأناقة والاستقامة ما يكفي ليُلهم من حوله، ويترجم أفكار مونتيسكيو، روسو، وجون ديوي إلى واقع تربوي فعلي في الميدان ،حينها كنت إطارًا تكميليًا في مجال تأطير التداريب، وكان عبدالرحمن أجباري محاطًا بأطر من العيار الثقيل أمثال عبدالسلام بنساسي، عبدالله أمزري، ووحيد أحفوض و ياسين الحسن و عبدالمجيد الصحراوي و غيرهم من الأطر . لم يكن مجرد قائد للتدريب، بل كان أبًا روحيًا يجمع حوله قلوب المشاركين بشغف العمل الجمعوي الجاد ، يُرسي دعائم منهجية جديدة في تأطير الشباب، ويزرع القيم التي تجعل من العمل التربوي رسالة حياة ،ومع مرور السنين، توطدت علاقتي به أكثر. عندما تولى إدارة مركز عبدالسلام بناني لحماية الطفولة،حيث زرتُه لتأطير ورشات في التنمية الذاتية. عايشتُه عن قرب، ووجدته كالنبع المتدفق بالأبوة والحكمة لنزيلات المركز. عبدالرحمن أجباري لم يكن مديرًا فحسب؛ بل كان يمثل أفكار أفلاطون في المدينة الفاضلة، يربط بين الفكر والفعل، وبين النظرية والتطبيق، ليُعيد تشكيل الحياة داخل المركز.ومع انتقاله إلى مناصب جديدة، من مركز الهرهورة كمقتصد خلال العطلة الربيعية في 2013، إلى رئيس مصلحة المخيمات بوزارة الشباب، ثم مدير جهوي بجهة فاس مكناس، وصولًا إلى رئاسة قسم مؤسسات الشباب، لقد ظل عبدالرحمن أجباري صديقًا وأخًا وموجهًا. رجل يؤمن بأن التواصل أساس النجاح، وأن التشاور هو المفتاح لإيجاد الحلول.لكن ما ادهشني في عبدالرحمن أجباري هو قدرته على تحويل الأفكار إلى مشاريع عملاقة، والمشاريع إلى إنجازات ملموسة.و كان من بينها برنامج العرض الوطني لمؤسسات الشباب، الذي أطلقته الوزارة تحت إشرافه، علامة فارقة في مسار هذه المؤسسات. للمرة الأولى،حيث وجدت الجمعيات والأندية يدًا تمتد إليها بالتدريب والتأطير، مستفيدة من دورات تكوينية تتراوح بين ثلاثة إلى خمسة أيام، تحت إشراف أطر تربوية متمكنة.ولم يتوقف عند هذا الحد؛ بل أطلق برنامجًا للقاءات التشاورية حول العرض الوطني، فأعاد لدور الشباب دورها المنوط بها، وأشعل شعلة الحركة والتفاعل بين مديري دور الشباب والجمعيات و الأندية .إن ما فعله هذا الفاعل المتمرس لم يكن مجرد عمل وظيفي، بل كان أشبه بثورة هادئة، تُحيي الروح في جسد المؤسسات.وما يُميّز عبدالرحمن أجباري ليست فقط كفاءته أو خبرته المتراكمة، بل حكمته التي تجعله يدير أصعب المواقف بسلاسة تُدهش الجميع. هو رجل المنطق والقانون، يزن الأمور بعقله، لكنه لا يغفل قلبه أبدًا. كل قرار يتخذه يحمل في طياته رؤية عميقة وهدفًا نبيلًا، يعكس غيرته على وطنه وحرصه على مستقبله، خاصة عندما يتعلق الأمر بأطفاله وشبابه.
عبدا لرحمن أجباري ليس مجرد موظف أو مسؤول؛ إنه حصان طروادة في قسم مؤسسات الشباب، رجل يحمل في داخله قوة التغيير وشجاعة البناء. بفضل عقله الحكيم وقلبه النابض، استطاع أن يُحدث فرقًا في حياة الكثيرين، وأن يضع بصمة خالدة في مسار العمل الجمعوي والتربوي. لهذا الرجل الذي يجمع بين أفكار الفلاسفة وحكمة القادة، وبين شغف التربويين وحب الوطن، أرفع قبعتي احترامًا وتقديرًا. إنه نموذج للإنسان الذي يحول الصعاب إلى إنجازات، والأفكار إلى واقع، ليبقى اسم عبد الرحمن أجباري محفورًا في ذاكرة كل من عرفه، كقائدٍ، مرب، وصانع للأمل.
عبد الرحمن أجباري ليس مجرد شخص نعرفه، بل تجربة نعيشها. هو الحلم الذي تراه يتحقق أمام عينيك. في حضوره، تشعر بأن لكل فكرة قيمة، ولكل جهد أثرًا. هو الذي أعاد الحيوية إلى دور الشباب برمتها ، فأصبح رمزًا للالتزام والعطاء اللامحدود.ان اعظم ما يتركه الإنسان ليس الكلمات التي يتحدث بها، بل القلوب التي يلمسها، والبصمات التي يتركها في حياة الآخرين. عبد الرحمن أجباري هو ذلك المعلم الذي تُدرك قيمته مع مرور الأيام. إنه القائد الذي يجعل من العمل مسؤولية، ومن التحديات فرصًا.انه ليس مجرد اسم يمر عابرًا في صفحات الحياة. إنه قصة تُروى، وعبرة تُستلهم، وأمل يتجدد في نفوس كل من عرفه. هو التجسيد الحي للإنسان الذي لا يخشى الحلم، ولا يتردد في السير نحو المستقبل بثبات وإصرار. لذلك، سيظل عبد الرحمن أجباري أيقونة في عالم العمل الجمعوي، ومرجعًا في عالم التربية والتأطير. سيبقى عنوانًا للصمود في وجه التحديات، ونموذجًا يُحتذى لكل من يطمح إلى أن يترك أثرًا خالدًا في هذا العالم.
تحية إجلال وتقدير… لأن هناك رجالا يستحقون أن يُكتب عنهم، وعبد الرحمن أجباري واحدٌ منهم