جريدة أرض بلادي – تحرير : وسيم وعلي
مهما اختلفت الروايات، الاعتقادات والاراء ، فهذه هي القصة والحقيقة التي يجب أن يسمعها كل قاصد “لموسم الزواج أو الخطوبة” بإملشيل الذي يقام ايام 21 ، 22 و 23 “غالبا” من كل سنة قرب ضريح سيدي حماد أولمغني. ” اكدود نسيدي حماد اولمغني مناسبة لتجديد أواصر التواصل مع القبائل المجاورة، خصوصا تلك التي لديها معها تحالف في إطار ما يسمى بفيدرالية “أيت ياف لمان”و أسطورة إيسلي وتسليت ما هي إلا صناعة لتحوير الحقيقة التاريخية لأكدود ورسائله المتنوعة ولإخفاء تجاعيد التهميش الاقتصادي والاجتماعي والمجالي الذي طال ساكنة إملشيل” .
قبل بدء الحديث عن ” اكدود نسيدي حماد اولمغني ” لابد من سرد جزء عن تاريخ منطقة إملشيل التي يقام فيها هذا الموسم الذي يؤكد روابط عادات وتقاليد سكانها، في هذا الصدد يؤكد رواة التاريخ أن قبائل أيت حديدو الامازيغية الصنهاجية، استقرت في هذه المنطقة خلال القرن 17 م، قرب “أسيف ملول ” حيث أتوا إليها مهاجرين وكانت لغتهم هي تمازيغت، ولهم علاقات طيبة مع باقي القبائل الأمازيغية المستقرة بميدلت كمنطقة. ما يميز هذه القبائل أنها احتفظت بسماتها إلى وقتنا الحاضر. وهي قبائل تعتمد على الرعي، يمتد موطنها عبـر مساحات شاسعة، تعرف بوعورة مسالكها الجبلية ويعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي. كما تنتمي قبائل أيت حديدو إلى اتحاد قبائلي يسمى “أيت ياف لمان” بآلامازيغية ومعناها أصحاب الأمان والذي تأسس خلال القرن السادس عشر (1521 -1522 ) . ويضم اربع قبائل : أيت حديدو، أيت مرغاد، أيت ازدك/ازدي ، و ايت يحي. ويذكر رواة التاريخ أن هذا التحالف صمد كثيرا و لم يتشتت عمليا حتى فرضت القوات الفرنسية سيطرتها على كل الأطلس الكبير الشرقي ” اسامر” بعد معركة أيت يعقوب سنة 1929 م.
تسكن قبائل ايت حديدو منازل مجتمعة على شكل قصور ” إغرمان ” بالأمازيغية يكون داخلها فضاءات للتجمع بين السكان لمناقشة القضايا المحلية ودراسة شأن الساكنة، كما نجد داخل تلك القصور قاعة لاستقبال الضيوف، تسمى بالامازيغية ” تانصريت “.
بالنسبة للباس فنساء قبائل أيت حديدو يرتدون ما يسمى ب تحنديرت وهي عبارة عن معاطف زرقاء اللون موشحة بخطوط بيضاء، أما المتزوجات والأرامل يضعن على رؤوسهن ” أقيوع أو أقيوح”. وهو عبارة عن قلنسوة.
□ أكدود نسيدي حماد اوالمغني:
أكدود نسيدي حماد اوالمغني : موسم ديني و عرفي ذو أبعاد اجتماعية واقتصادية و موروث ثقافي وطني يقام سنويا بمنطقة قبائل ايت حديدو بأعالي جبال الأطلس الكبير الشرقي بإملشيل خلال شتنبر “الأمازيغي/الفلاحي” بالتحديد بدوار أيت عمر جماعة بوزمو، يقام على ضريح سيدي أحمد أولمغني، والذي كان حسب رواية شفوية متواترة لشيوخ كبار السن في المنطقة، يتدخل في تسوية النزاعات بين القبائل، ملتزما الحياد و ملتجأ إلى التصوف كإختيار، على درب والده “سيدي المغني”.
يشكل الموسم تاريخيا ملتقى لكل القبائل المتواجدة في الأطلس الكبير الشرقي والأطلس المتوسط، أيت حديدو، أيت مرغاد، أيت يحيى، أيت شخمان، أيت عطا و ايت ازدك وغيرها من القبائل.
بالنسبة لتاريخ بدايته فلا وجود لمعطيات دقيقة عنه، حيث يقول الباحث والشاعر ابن المنطقة، باسو أوجبور في هذا الصدد أن “لحد الساعة لم نجد من يستطيع أن يحدد لنا تاريخ تأسيس الموسم”، مضيفا أنه تم التواصل مع باحثين من المغرب وخارجه متخصصين في الأنتربولوجيا والسوسيولوجيا، بما في ذلك الباحث النمساوي والأستاذ الجامعي في جامعة فيينا Wolfgang Kraus، الذي قام بأبحاث حول قبيلة أيت حديدو لما يزيد عن 25 سنة، غير أنه هو بدوره لم يتوصل إلى تحديد تاريخ بداية الموسم.
كما يقول أن الثابت، بناء على ذاكرة شيوخ القبيلة، والرواية الشفوية المتداولة، أن قبيلة أيت حديدو هي التي بادرت إلى تنظيمه واتخذته مناسبة لتجديد أواصر التواصل مع القبائل المجاورة، خصوصا تلك التي لديها معها تحالف في إطار ما يسمى بفيدرالية “أيت ياف لمان”، ويرتبط ذلك أساسا بميثاق “أزرف ن تظا” أي “ميثاق السلم/الهدنة” الذي يحكمه العرف بين القبائل التي كانت متصارعة آنذاك، إذ كان الموسم يشكل مناسبة لعقد اجتماعات لممثلي القبائل والجماعات السلالية للبث في القضايا والصراعات بين بعض القبائل، ويتم البت فيها بإصدار أحكام موثقة، تارة بغرامة لفائدة الجهة المظلومة تدفعها الجهة الظالمة، وغالبا ما تكون جزافية تحت مسمى “أزرف ن إيزماز “، وتارة أخرى بالتراضي مع التزام الجهة المخطئة بعدم التكرار تحت مسمى عرفي “أزرف ن أسنضو “.
مضيفا أن هذا الموسم له أدوار دينية واقتصادية وتجارية وثقافية، وأنه موسم شمولي لا يمكن اختزاله في “الخطوبة أو الزواج” ، لأنه لم يكن موسما للزواج، غير أنه عُرِف بطابع الزواج لأن الناس وجدوا أن ثقافة أيت حديدو فيما يتعلق بالزواج لا تنبني على الطمع ولا على الإغراءات المادية. حيث أن الزواج في منطقة قبائل أيت حديدو تتحكم فيه القيم والمبادئ والمودة والوفاء أكثر مما تحكمه الماديات”.
يقول باسو أوجبور، مؤكدا أن “العائلات بالمنطقة لا تشترط مهورا مرتفعة، معلين قيمة العرسان، حتى لا يكونوا بضاعة تباع وتشترى”. وأضاف أوجبور “وجدنا أجدادنا يخطبون بأشياء رمزية بسيطة، ليست لها قيمة مادية كبيرة، ولكن لها قيمة رمزية مهمة، مثل “السكر” الذي يرمز إلى الحلاوة والبياض والصفاء، و”التمر” الذي يرمز إلى الصبر والتحمل والحلاوة والمحبة، و”الحناء” الذي يرمز إلى الحنان، و”الصابون” الذي يرمز إلى الطهارة، وهذه هي المكونات الرئيسية لحقيبة الخطوبة بمنطقة إملشيل”.
وعاد أوجبور ليؤكد لنا أن الموسم “يعرف عند البعض بموسم ‘سيدي حماد أوالمغني’، وهو الأصل، وعند آخرين بـ ‘موسم الخطوبة’، وعند طرف ثالث بـ’مهرجان موسيقى الأعالي’، غير أن ما يهمنا أن يعرف المتتبع والزائر للموسم حقيقته وجوهره ولْيُسَمِّهِ ما شاء”.
وفي إطار الفكرة التي أخدها المجتمع عن اكدود نسيدي حماد اولمغني أو ما يسمونه ب ” موسم الخطوبة” خرجت هنو أماروش، التي عرفت بصرختها الشهيرة “أَدّودْ أَوَا أَدّودْ، أَمحمد السادس”، خلال احتجاجات سابقة بجماعة تيلمي، حيث أكدت في تصريح لـ”هوامش” أن الموسم ليس مناسبة للخطوبة والزواج، بقدر ما هو مناسبة لتوثيق زيجات تم الاتفاق بين أطرافها سابقا، وهم يستغلون فرصة تواجد القاضي والعدول قصد توثيقها بشكل رسمي، تفاديا للتنقل إلى مراكز تتوفر فيها الإدارات وما يصاحب ذلك من مصاريف ومجهود إضافي، مضيفة أن “نساء أيت حديدو حرّات، لا تُبعن”.
إن تسمية اكدود نسيدي حماد اولمغني ب (موسم الخطوبة) أو (موسم الزواج) أو (الزواج الجماعي) مجرد أسامي صنعها المستعمر الفرنسي لغاية في نفسه لتسويق المغالطات ضد القبائل المحاربة والمقاومة، صعبة الخضوع وعصية التطويع والانبطاح. اي ما يسمى بالحرب الثقافية و طمس الهوية، منذ عهد المارشال ليوطي ليبقى صمود أيت حديدو صامدا في وجه المستعمر. وهذه الأسماء مستفز لشعور وخصوصيات أبناء المنطقة في المناطق والمدن الأخرى حيث يتعرضون للتنمر بسبب ذلك.
فمن جهة هناك من ربط إسم هذا الموسم ايضا برواية تقول أنه: “تم ربط الموسم بالخطوبة بكون الولي سيدي حماد المغني، ظل أعزب ولم يتزوج” ومن جهة اخرى هناك من ربطه برواية تقول ان “قبائل ايت حديدو اتخدت مولد الولي ليكون موسماً سنوياً على شرفه”. في حين تقول الاسطورة أن : “في الماضي البعيد، أحب فتى من قبيلة آيت إبراهيم فتاة من قبيلة آيت إعزة (قبيلتان من قبائل آيت حديدو بإملشيل جنوب المغرب) بعضهما البعض حبا لم تعرف قبائل آيت حديدو له مثيلا، وكان أقصى ما يصبو إليه الحبيبان هو الزواج، لكن العداوة المتجذرة بين قبيلتيهما جعلت تحقيق حلمهما مستحيلا. حينئذ، غادر كل من الحبيبين قبيلته في اتجاه الجبال فأغرق الفتى نفسه في بحيرة أصبحت اليوم تحمل اسم إيسلي (العريس) وأغرقت الفتاة نفسها في بحيرة أضحت اليوم تحمل اسم تسليت (العروس). وهناك رواية أخرى تقول إن هاتين البحيرتين ما هما إلا دموع الحبيبين اليائسين”. يقول عدي السباعي في هذا الإطار أن أسطورة إيسلي وتسليت ما هي إلا صناعة لتحوير الحقيقة التاريخية لأكدود ورسائله المتنوعة ولإخفاء تجاعيد التهميش الاقتصادي والاجتماعي والمجالي الذي طال ساكنة المناطق المعزولة في حضن الاطلس الكبير الشرقي وما جاورها.
في الختام اقول إن موسم أو اكدود نسيدي حماد أوالمغني ماهو إلا ملتقى لكل القبائل المتواجدة في الأطلس الكبير الشرقي والأطلس المتوسط، اتخذته القبائل كمناسبة لتجديد أواصر التواصل مع القبائل المجاورة، خصوصا تلك التي لديها معها تحالف في إطار ما يسمى بفيدرالية “أيت ياف لمان”، ويرتبط ذلك أساسا بميثاق “أزرف ن تظا” أي “ميثاق السلم/الهدنة” الذي يحكمه العرف بين القبائل التي كانت متصارعة آنذاك، اي مناسبة لعقد اجتماعات لممثلي القبائل والجماعات السلالية للبث في القضايا والصراعات بين بعض القبائلء، لذلك مهما اختلفت الروايات و الاعتقادات والاراء ، فهذه هي القصة والحقيقة التي لا بد أن يسمعها كل قاصد “لموسم الزواج أو الخطوبة” بإملشيل.
مصدر المعلومات:
■ موقع ستار تايمز، هواميش و املشيل
■ تصريحات باسو أوجبور/ هنو أماروش/ عدي السباعي.