دعوات متجددة لإعادة فتح المسارح والقاعات السينمائية في ضوء التحسن الملحوظ لمؤشرات الجائحة. 

جريدة ارض بلادي_محسين الادريسي_

الرباط – تعالت مجددا أصوات العديد من الفعاليات والتنظيمات النقابية والمهنية التي تعنى بالشأن الثقافي، مطالبة بإعادة فتح المسارح والقاعات السينمائية التي طالها الإغلاق منذ ظهور الحالات الأولى للإصابة بوباء كوفيد- 19 قبل أزيد من سنة.

 

واتخذت المطالب ببعث الحياة من جديد في أوصال هذه المرافق والفضاءات الثقافية زخما أكبر في الآونة الأخيرة في ضوء التحسن الملحوظ في المؤشرات المرتبطة بجائحة كوفيد- 19 بالمغرب، والتي قررت على إثرها الحكومة ابتداء من 21 ماي الجاري، تمديد فترة عمل المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي إلى الساعة الحادية عشرة ليلا، مع الإبقاء على جميع القيود الاحترازية الأخرى التي تم إقرارها سابقا في حالة الطوارئ الصحية، والخاصة بالحفلات، والتجمعات والتظاهرات، وقاعات السينما، والجنائز ..

وقد خلّف هذا القرار خيبة أمل لدى الفاعلين في قطاعي المسرح والسينما الذين كانوا يمنون النفس بأن تجد مناشداتهم العديدة للجهات الحكومية المعنية صدى في تدابير التخفيف المعلن عنها، وذلك مراعاة للظروف الاجتماعية والثقافية المقلقة التي يعيشها بشكل خاص مجال العروض الحية والناجمة أساسا عن فقدان الشغل إثر توقف الحياة المسرحية جراء التدابير الاحترازية المتخذة بمقتضى حالة الطوارئ الصحية.

 

وآخذت هذه الفعاليات على الحكومة تعاملها “المتسم بالليونة والمرونة، منذ رفع الحجر الصحي، لفائدة سائر المجالات الاقتصادية والتجارية والخدماتية ومختلف الأنشطة المهنية، مقابل نوع من الصرامة والحزم فيما يخص الأنشطة الثقافية والفنية ولاسيما مواصلة إغلاق فضاءات العروض”، معتبرة أن التدابير التقييدية والاحترازية ، وإن كانت تتفهم دواعيها ، فإنها لا ينبغي أن تظل سيفا مسلطا على المجال الثقافي دونا عن باقي المجالات.

 

وفي هذا السياق، أبدت “النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية” استغرابها وقلقها الشديدين إزاء “تجاهل” الحكومة لكل النداءات والاستغاثات، مسجلة “غياب أي إجراء استعجالي لضمان استمرارية مجال المسرح والفنون الحية يراعي ضرورة هذا الفن كعنصر مكون لهوية المغاربة الثقافية والحضارية، ولو في شروط دنيا في انتظار انحصار الوباء، أسوة بما هو معمول به في بلدان أخرى”.

 

وطالبت النقابة في بيان لها، الحكومة بإعادة النظر في ما اعتبرته “إقصاء غير معقول”، والسماح بعودة الروح لمسارح المغرب وفضاءات العروض بشروط وتدابير استثنائية ومعقولة في انتظار زوال الجائحة، مهيبة بجميع المسرحيين المغاربة “المزيد من التعبئة من أجل الدفاع، بكل الوسائل المتاحة، عن حقهم في ممارسة مهنتهم ومهمتهم الاجتماعية والثقافية والتربوية في ظل الجائحة، كشكل من أشكال التعايش الذي تعرفه باقي الأنشطة الأخرى والتي لا يمكن أن يكون فيه أب الفنون استثناء”.

 

وبعد أن أكدت تفهمها للحيثيات والمسببات التي أدت إلى اتخاذ قرارات متشددة من أجل حماية المواطنين والتصدي لتفشي وباء كوفيد- 19، أشارت النقابة إلى أنها سبق أن اقترحت على المسؤولين الحكوميين تدابير عملية تسمح للفنانين باستعادة أنشطتهم مع مراعاة كل التدابير الاحترازية والوقائية الموصى بها واعتماد إجراءات تنظيمية مبنية على التخفيف في العنصر البشري والحيز الزمني.

 

وخلصت إلى القول إن المسرح ممارسة ودُربة مستمرة ومتواصلة بانتظامية ومتواترة لا تقبل الانقطاع والانحسار لمدة طويلة، شأنه في ذلك شأن الممارسة الرياضية، مما يقتضي الاستمرارية ولو بشروط دنيا وفق بدائل ذكية (…) “، داعية إلى استمرارية البرامج المرتبطة بالموسم المسرحي بشكل خلاق يتلاءم مع الظروف الطارئة “التي لا ينبغي أن تكون، بأي شكل من الأشكال، مبررا للتوقف الكلي للحياة الثقافية”.

 

الصرخة التي أطلقتها النقابة المغربية لمهنيي الفنون الدرامية تردد صداها أيضا لدى مستغلي القاعات السينمائية ،حيث نبهت “الغرفة المغربية لقاعات السينما” في رسالة موجهة إلى الوزارة الوصية على القطاع إلى الوضع الذي يعيشه المهنيون جراء إغلاق دور السينما لأزيد من 400 يوم، مسجلة أن الدعم الحكومي الذي استفاد منه العاملون ومستغلو القاعات السينمائية يمكن بالكاد، من تغطية التكاليف الثابتة لسبعة أشهر من أصل 14 ، في الوقت الذي تقلصت فيه موارد العاملين بنسبة تتراوح بين 20 و80 بالمائة.

 

ولتأكيد مشروعية مطالبها بإعادة فتح القاعات السينمائية، ساقت الهيئة معطيات إحصائية تفيد بأن الوضع الصحي حاليا بالمغرب أفضل مقارنة بالعديد من دول العالم التي أعادت فتح دور السينما أو حددت تواريخ لذلك خلال شهر ماي.

 

وأشارت إلى أن مستغلي القاعات السينمائية سبق أن أعدوا في شهر يوليوز 2020 بتعاون مع المركز السينمائي المغربي دفتر تحملات يحدد الإجراءات الحاجزية ونسبة الحضور بالقاعات السينمائية مراعاة للوضع الصحي الناجم عن تفشي الجائحة، لكنه لم يجد طريقه إلى التطبيق.

 

وأبدت الغرفة استعدادها لتقليص نسبة الحضور بالقاعات السينمائية إلى 30 بالمائة بدلا من 50 بالمائة مع تكييف نسبة الحضور وفق تطورات الوضع الوبائي بتشاور مع السلطات الصحية ، معتبرة أن استمرار إغلاق القاعات السينمائية ينطوي على “حيف” لاسيما بعد السماح بإعادة فتح ، بنسب متفاوتة، المطاعم والحمامات وخدمة النقل العمومي ومراكز التسوق والقاعات الرياضية.

 

من جهة أخرى ، أثارت الغرفة المغربية لقاعات السينما مفارقة تتعلق بالعبء الضريبي الذي يعاني منه المهنيون رغم توقف نشاطهم، في حين أن منصات المحتوى المرئي مثل “نيت فليكس” تستفيد من الجائحة “بتوسيع قاعدة مشتركيها وجني مئات الملايين من الدراهم من الإيرادات في المغرب دون أن تدفع أي ضرائب”.

 

وتجدر الإشارة إلى أن وزارة الثقافة والشباب والرياضة وعيا بمساهمة المبدعين، فنانين ومؤلفين، في خلق وتعزيز التماسك الاجتماعي والقدرة على الابتكار، وحرصا على التخفيف من الآثار الاجتماعية والاقتصادية لحالة الطوارئ الصحية، خصصت بموجب طلب عروض استثنائي غلافا ماليا بقيمة 50 مليون درهم لدعم المشاريع الفنية والكتاب والنشر، فضلا عن اتخاذ عدد من التدابير تهم مجالات حقوق المؤلفين، ووضعية السينمائيين، والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية.

 

كما سبق لوزير الثقافة والشباب والرياضة عثمان الفردوس أن أعلن عن تخصيص 10 ملايين درهم لتفعيل مجموعة من التدابير الرامية إلى دعم القاعات السينمائية بعد تراجع عائداتها بسبب تداعيات جائحة كورونا، مؤكدا على ضرورة حمايتها “باعتبار أنها الرابط المركزي في الصناعة السينمائية، ووسيطا ثقافيا إلى جانب دورها المهم في المساواة المجالية “.

 

وكشف الوزير أنه سيتم التكفل ببعض المستحقات المالية لدور السينما ، إلى جانب تخصيص دعم مالي استثنائي للعاملين في القطاع من أجل إعادة فتح دور السينما، مشيرا إلى أنه سيتم كذلك إطلاق حملة تواصلية من أجل إخبار المواطنين باستئناف القاعات السينمائية أنشطتها والتسويق للسينما المغربية.