“رئيس الكونفدرالية الفلاحية لا تُحملوا الفلاح مسؤولية أزمات خارجة عن إرادته .

جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-

في ظل التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الفلاحي بالمغرب، وجّه رئيس الكونفدرالية المغربية للفلاحة والتنمية القروية، رشيد بنعلي، دعوة قوية إلى وقف الضغوط الممارسة على الفلاحين، لاسيما الصغار والمتوسطين منهم، الذين يعانون من أعباء متراكمة ناجمة عن سنوات الجفاف وارتفاع أسعار المدخلات، إضافة إلى تقلبات الأسواق وتراكم الديون البنكية.

 

وخلال ندوة صحفية عقدت يوم الخميس بسلا، تحت عنوان “التحديات الكبرى للقطاع الفلاحي بالمغرب: الرهانات والإكراهات والآفاق”، شدد بنعلي على ضرورة إعادة النظر في طريقة التعامل مع الفلاح، معتبرا أن تحميله مسؤولية اختلالات بنيوية، مثل ظاهرة المضاربة وتعدد الوسطاء، أمر غير منصف ولا يخدم استقرار القطاع.

 

ودعا إلى ضرورة إصلاح منظومة التوزيع والتسويق، من خلال تقليص عدد الوسطاء وتعزيز سلاسل التوزيع القصيرة، لما لها من أثر مباشر في تحسين مردودية الفلاح وضمان استقرار السوق. كما ندد باستمرار تداول معطيات غير دقيقة عن الفلاحة، والتي تُبنى في كثير من الأحيان على تحاليل سطحية، وتتجاهل تعقيدات الواقع الفلاحي.

 

وأكد أن هناك مغالطات تتعلق بحجم الدعم العمومي للفلاحين، موضحاً أن هذا الدعم، رغم ضرورته، لا يغطي إلا نسبة ضئيلة من التكاليف الحقيقية التي يتحملها الفلاح المغربي، خاصة في ظل الأزمات المتتالية، بداية بجائحة كورونا ومرورًا بالأزمات الجيوسياسية العالمية، وانتهاءً بأزمة الجفاف المتكررة.

 

وأوضح بنعلي أن هذا الدعم يخضع لمعايير مضبوطة ويتم صرفه وفق رقابة مؤسساتية، مشدداً على ضرورة اعتبار الفلاحة قطاعاً استراتيجياً، لا يقل أهمية عن قطاعات حيوية كالصحة والدفاع، باعتبارها ضمانة للأمن الغذائي والاجتماعي.

 

وفي مقارنة لافتة، أشار إلى أن فرنسا، التي تعتبر من أقوى الدول الفلاحية في أوروبا، تقدم دعماً سنوياً يُناهز 100 مليار درهم لحوالي 390 ألف فلاح، في حين لا يتجاوز الدعم العمومي في المغرب 7 مليارات درهم لفائدة أكثر من 1,6 مليون فلاح، وهو ما يعكس تفاوتاً كبيراً في الدعم رغم أهمية الدور الذي يؤديه الفلاح المغربي.

 

كما رفض الخطابات التي تختزل النقاش في تصدير “الماء” عبر المنتجات الفلاحية، معتبراً أن هذا الطرح يغفل حقيقة أن المغرب يستورد كميات كبيرة من “الماء غير المباشر” عبر واردات الحبوب والزيوت، وهو ما يفوق بكثير الماء المستخدم في الإنتاج الفلاحي الموجه للتصدير.

 

وفي ذات السياق، حذّر من خطورة تسييس القطاع الفلاحي أو الزج به في حسابات ضيقة، مؤكداً أن الفلاحة تتجاوز الخلافات الظرفية وتتطلب تعاملاً وطنياً متزناً يراعي رهانات الاستدامة والسيادة الغذائية.

 

وتوقف رئيس الكونفدرالية عند أزمة المياه الحادة التي تضرب القطاع، متحدثاً عن تقليص الحصص المائية وغياب رؤية واضحة للفلاحين بشأن السقي، وهو ما أدى إلى توقف الري في عدد من المناطق، وأثر سلباً على القدرة الإنتاجية للمزارعين.

 

ودعا إلى ضرورة ضمان حد أدنى من المياه المخصصة للسقي، لا يقل عن 80 في المئة من الحاجيات، مع تنسيق فعّال بين السياسات الفلاحية والمائية، ومراجعة الحصص الموجهة من السدود لتلبية متطلبات المناطق المهددة بفقدان الإنتاج.

 

كما طالب بتمكين الفلاح من معطيات دقيقة ومسبقة عن توقيت وحجم كميات المياه الموجهة للسقي قبل بداية المواسم الفلاحية، ما يسمح له باتخاذ قرارات استثمارية سليمة وتخطيط العمليات الزراعية بشكل فعّال.

 

ولم يغفل بنعلي الإشادة بالبرامج التي أطلقتها الحكومة للتخفيف من آثار الجفاف وتراجع التساقطات، تنفيذاً للتوجيهات الملكية الرامية إلى دعم الفلاحين والحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية.

 

كما نوه بالقرار الملكي القاضي بعدم ذبح الأضاحي هذه السنة، والذي يهدف إلى حماية القطيع الوطني، إلى جانب الإجراءات المواكبة التي تمثلت في دعم مربي الماشية وتخفيف الأعباء عنهم، بما في ذلك الإلغاء الجزئي للديون.

 

وختم بنعلي بالتأكيد على أن مستقبل الفلاحة المغربية يتطلب رؤية متكاملة ومقاربات واقعية، ترتكز على إنصاف الفلاح وتمكينه من أدوات العمل والدعم الكافي، باعتباره شريكاً محورياً في ضمان الأمن الغذائي وتحقيق التنمية القروية المستدامة.