رسالة فايسبوكية إلى الأديب مصطفى لغتيري صديقي العزيز: مصطفى لغتيري الأديب الروائي والقاص والناقد

جريدة أرض بادي-هيئة التحرير-

بقلم حسين خاوتي-

صديقي العزيز: مصطفى لغتيري

بعد السلام والتقدير،
أرغب في أن أرسل لك هذه الكلمات التي تأتي من قلب يقدر ويعترف بمجهودك الكبير الذي تبذله في هذا المجال الفكري والإبداعي الذي لا يشبع، ولا يكل.
من خلال صفحتك على الفايسبوك، وجدتني أمام درب من الأفكار الفلسفية العميقة، والآراء النقدية المبدعة، والتفسيرات الجميلة التي تبسط المعقد وتجعله في متناول الجميع. أسلوبك الراقي في تقديم هذه المواضيع العميقة يجعلها تلامس القلوب والعقول، وتدعو للتمعن والتفكير.
لم يكن هدفك في نشر هذه الأفكار مجرد التأثير السطحي أو إشاعة لمحة ثقافية، بل كان همك أن تنير الطريق لجيل قادم، وأن تفتح أمامهم نوافذ المعرفة والتفكير النقدي، الذي يجنح بهم بعيدًا عن التقليد والجمود الفكري.
أنت، بحق، مناضل فكري في عصر تراجعت فيه القيم الثقافية الحقيقية أمام ضجيج السطحية والسعي وراء الربح المادي. أنت تثبت لنا أن الثقافة والفكر الحقيقي لا ينشدان ربحًا ماديًا، بل يبنيان ثقافة أجيال، ويزرعان عقلًا قادرًا على التفكير بعيدًا عن الانقياد وراء أفكار الآخرين.
في زمن تتسارع فيه التحولات الاجتماعية والاقتصادية، نجد أن الثقافة والفكر العميق غالبًا ما يُهمل أو يُتجاهل، بل ويُستهزأ به أحيانًا، لكنك وبكل عزم، تدرك أن الرابح في النهاية ليس من يحقق الثراء المادي، بل من يزرع في عقول الشباب بذور الفكر النقدي والوعي المتجدد، الذي لا يمكن أن يُقاس بثمن. هذا النوع من “الربح” الذي تبتغيه هو أعظم وأبقى، لأنه يعود بالنفع على الأجيال القادمة.
ما تقدمه ليس مجرد علم أو معرفة، بل هو ضوء يسطع في أفق الشباب الذين يبحثون عن إجابات لتساؤلاتهم الفلسفية والوجودية.
وأنا أريد أن أقول لك، أنني لا أعلق على منشوراتك، ليس لأنني لا أقدّر ما تكتبه، بل على العكس، كل ما تود أن تقوله قد قلته في طريقة جميلة ومبسطة جدًا بحيث لا يمكنني إلا أن أقرأه وأتفكر فيه وأتركه ينغرس في ذهني. لا أريد أن أزيد شيئًا على ما كتبتَ، لأنك، بطريقة ما، قد قلت كل شيء بشكل مُبهر، وجعلت أفكارك سهلة الاستيعاب للقراء، بحيث لا حاجة لنا إلا أن نمتص تلك الأفكار ونتفاعل معها بصمت.
أنت اليوم، من خلال هذا المجهود المستمر، تؤسس لثقافة أصيلة ونقية، تدعو الشباب إلى التفكير العميق بعيدًا عن الثقافة الاستهلاكية السطحية التي تجتاح العالم. أنت تؤمن بأن الكاتب والمثقف الحقيقي هو من يواصل في بناء الفكر دون انتظار مكافأة مادية، بل يتحقق من الربح الذي لا يراه الكثيرون: التأثير في العقول، وتوجيه الأفكار، وتحفيز الإبداع.
لن يكون هذا العمل سهلاً أو مريحًا لك في ظل هذا العالم الذي يعاني من عدم تقدير حقيقي للفكر الجاد، ولكنني على يقين أن ما تقوم به سيكون له أثر عميق وملموس في المستقبل، حتى وإن لم يكن في القريب. ما تقوم به سيكون بمثابة التراكمات الفكرية التي يستهلكها الزمن البعيد، وربما يتسائل البعض عن الفائدة الآن، لكنني على يقين أن هذه المساهمات ستُقدّر أكثر وأكثر في المستقبل.
أنت، رغم كل الصعوبات والتحديات التي تواجهها، تواصل هذه المسيرة المشرفة، وكأنك جندي يقف في ساحة المعركة الفكرية، يحمل لواء الثقافة والمعرفة، رافضًا أي نوع من التهاون أو الخضوع للواقع الثقافي المنهار. أنت المثال الذي يحتاجه شباب اليوم كي يروا كيف يكون المثقف الحق الذي لا يكتفي بالحديث عن فكره بل يعيشه ويجسده.
لن أكون مبالغًا إذا قلت إنك تكتب وتساهم في بناء عقول وفكر جيل بأسره، وهم سيكونون في المستقبل مدينين لك كثيرًا بما زرعته فيهم من حب للثقافة والحوار والفكر النقدي.
لك مني كل التقدير والاحترام على هذه الجهود الرائعة. سنظل دائمًا داعمين لك في كل خطوة تخطوها، وسنظل نتابع أعمالك بتقدير عميق، لأنك بحق “المثقف المناضل” الذي يجعل من الفكر سلاحًا نقيًا في مواجهة التحديات الثقافية التي تواجهنا.
دمت في صحة وعافية، ودعواتي لك بأن يستمر هذا العمل الجميل وأن يثمر في العقول النيرة التي سيتسفيد منها الجيل القادم.