ارض بلادي – من ايطاليا
احتضنت القنصلية العامة للمملكة المغربية بمدينة بولونيا الإيطالية، يوم السبت 22 نونبر 2025، لقاءً تواصلياً نظمته القنصلة العامة خديجة نادور، احتفاءً بالذكرى السبعين لعيد الاستقلال والخمسين للمسيرة الخضراء، في مبادرة وُصفت بالهامة لما حملته من رسائل وطنية قوية في اتجاه الجالية المغربية وإلى المتابعين الإيطاليين المهتمين بالشأن المغربي. اللقاء جاء في إطار التعريف بالقضية الوطنية، وتنوير الرأي العام حول تطورات ملف الصحراء المغربية داخل الأمم المتحدة، خاصة بعد القرارات الأممية الأخيرة الداعمة للمبادرة المغربية.
اللقاء شهد حضوراً لافتاً لأفراد الجالية المغربية المقيمة بإيطاليا، إلى جانب مواطنين إيطاليين تابعوا باهتمام فقرات النشاط، تعبيراً عن اهتمام متزايد بالتحولات السياسية التي يشهدها ملف الصحراء المغربية. ووسط أجواء يغلب عليها الاعتزاز الوطني، قدم الإعلامي ياسين بلقاسم، المنسق الوطني لشبكة جمعيات الجالية المغربية بإيطاليا، مداخلة مطوّلة اعتُبرت “جامعة” في مضامينها، استعرض خلالها المسار التاريخي للنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، منذ أن وضع المغرب سنة 1963 ملف إنهاء الاستعمار الإسباني أمام أنظار الأمم المتحدة، وصولاً إلى القرار الأممي 2797 الصادر في 31 أكتوبر 2025، والذي كرّس لأول مرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باعتباره الحل الوحيد للنزاع.
بلقاسم قدّم سرداً دقيقاً لأهم المحطات التي صنعت مسار تحرير الأقاليم الجنوبية، بدءاً من قرار الأمم المتحدة سنة 1965 الذي دعا مدريد إلى إنهاء استعمار سيدي إفني والصحراء المغربية، ثم استرجاع سيدي إفني سنة 1969، ورأي محكمة العدل الدولية سنة 1975 الذي أكد وجود روابط البيعة بين قبائل الصحراء وسلاطين المغرب، وصولاً إلى تنظيم المسيرة الخضراء يوم 6 نونبر 1975 بمشاركة 350 ألف متطوع، وتوقيع اتفاقية مدريد التي أنهت الوجود الاستعماري الإسباني، ثم رفع العلم الوطني بمدينة العيون في 28 فبراير 1976 واسترجاع وادي الذهب سنة 1979.
كما تطرق المتحدث إلى مرحلة الحرب بين 1976 و1991، حيث واجه المغرب هجمات انطلقت من الأراضي الجزائرية بدعم من المعسكر الشرقي وليبيا وعدد من المرتزقة، قبل أن ينجح في تغيير موازين القوى ببناء الجدار الأمني الذي ألحق خسائر كبيرة بالمليشيات، لتنتهي المرحلة بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة سنة 1991. وأوضح أن الأمم المتحدة فشلت في تنظيم “استفتاء تقرير المصير” لأسباب ديموغرافية وسياسية وقبلية، ليتم إسقاط هذا الخيار نهائياً بداية من سنة 2000، وهو ما أكده المبعوث الأممي بيتر فان والسوم سنة 2008 بتصريح واضح يقول فيه: “إن استقلال الصحراء الغربية ليس خياراً واقعياً”.
وتحوّلت مهمة بعثة المينورسو تدريجياً بعد أن أصبحت مراقبة وقف إطلاق النار وتسهيل العملية السياسية هي وظيفتها الأساسية، خاصة وأن المغرب، منذ 2007، قدّم مبادرة الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي. المبادرة التي لاقت اعترافاً دولياً واسعاً بفضل العمل الدبلوماسي الملكي، وفتحت الباب أمام مواقف دول كبرى في مقدمتها الولايات المتحدة، إسبانيا، ألمانيا، فرنسا، والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى افتتاح عشرات القنصليات الأجنبية في العيون والداخلة، مما جعل الحكم الذاتي ينتقل من مبادرة مغربية إلى أرضية أممية معتمدة رسمياً بموجب قرار مجلس الأمن 2797 لسنة 2025.
وأكد بلقاسم في مداخلته أن المرحلة الحالية تفرض على المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إلزام الجزائر بصفتها الطرف الرئيسي في النزاع، باحترام المقررات الأممية والانخراط في مسار الحكم الذاتي كحل وحيد لإنهاء النزاع. كما أشار إلى أن جلالة الملك محمد السادس أعلن يوم 31 أكتوبر عيداً وطنياً جديداً تحت اسم “عيد الوحدة”، في خطوة رمزية تؤكد أن المغرب دولة غير قابلة للتجزئة، وأن تاريخها ومسار وحدتها الترابية يشكلان أساس هويتها وامتدادها.
اللقاء شهد أيضاً كلمة للقنصلة العامة خديجة نادور التي أكدت على الروابط المتينة بين الجالية المغربية ووطنها الأم، مشددة على أهمية تلاحم المغاربة بالخارج حول قضيتهم الوطنية الأولى. كما عرفت الفعالية مداخلة مسجلة للأستاذ عبد الهادي مزراري تناول فيها التطورات الأخيرة للملف، إلى جانب قراءة شعرية قدمتها الأستاذة مونية علالي احتفاءً بالمناسبة.
الحدث اعتُبر محطة بارزة في مسار الدبلوماسية الموازية للجالية المغربية بإيطاليا، ورسالة قوية تؤكد أن أبناء الوطن داخل وخارج البلاد يسيرون في جبهة واحدة للدفاع عن الوحدة الترابية للمملكة، وتثبيت مشروعية الحل المغربي.

