ضجيج الفلاسفة.. الطاهري نورالدين

جريدة أرض بلادي- هيئة التحرير-

 

 

توجهت الفتاة إلى غرفتها، حيث تسكنها آلاف الأفكار المتصارعة. أغلقت الباب خلفها وجلست على السرير، محاطة بصور كتبها المفضلة وملاحظات تحمل أفكارا فلسفية معقدة. نظرت إلى المرآة ورأت انعكاسها المرهق، لكنها كانت تعلم أن هناك مغزى لكل هذا الضجيج في رأسها.

قررت أن تأخذ نزهة في الحديقة المجاورة لبيتها. عندما خرجت، كانت السماء تمطر، والقطرات تنساب بهدوء على وجنتيها. مشيت بخطوات هادئة حتى وصلت إلى شجرة ضخمة كانت تجلس تحتها عندما تحتاج للتفكير. جلست ورفعت رأسها لتشاهد السماء من بين أوراق الشجرة، شعرت بشيء غريب يحدث.

فجأة، ظهر أمامها رجل عجوز بلباس غريب، كأنه خرج من أحد كتبها الفلسفية. نظر إليها بعينين لامعتين وقال:

– أراكِ تائهة بين أفكارك، أليس كذلك؟

تفاجأت الفتاة، لكنها شعرت بشيء من الراحة لوجود من يفهمها. أجابت:

– نعم، أشعر وكأن كل الفلاسفة يتجادلون في رأسي ولا أستطيع إسكاتهم.

ابتسم العجوز بحكمة وأخذ بيدها وقال:

– دعيني أريك شيئاً.

قادها العجوز عبر الحديقة حتى وصلا إلى بوابة قديمة مهجورة، لم تكن قد لاحظتها من قبل. فتح البوابة ودخلا إلى عالم آخر، عالم مليء بالكتب الطائرة والفلاسفة الذين كانوا يجلسون في حلقات نقاش حية.

قال العجوز:

– هذا هو عالم الفلسفة. هنا يمكن لأفكارك أن تجد متنفسا وتتحاور دون أن تزعجك. هنا يمكنك أن تستمعي إلى الفلاسفة وتفهمي مغزى جدالهم.

شعرت الفتاة بارتياح كبير، وجلست تستمع إلى النقاشات، تشارك أحيانا، وتتأمل أحياناً أخرى. تعلمت الكثير، وبدأت ترى الأمور من زوايا جديدة.

بعد ساعات، أعادها العجوز إلى الحديقة. قالت له:

– أشكرك على هذه الرحلة. الآن أفهم لماذا كانت هذه الأفكار تتصارع في رأسي.

ابتسم العجوز واختفى في لمح البصر، تاركا الفتاة تفكر في التجربة الغريبة التي مرت بها. عادت إلى منزلها بشعور جديد من الهدوء والفهم، وتوجهت نحو أمها وقالت بابتسامة:

– أمي، أعتقد أنني وجدت حلا لضجيج الفلاسفة.

نظرت إليها أمها بتعجب، لكنها لم تسأل. فقط احتضنتها وقالت:

– أنا سعيدة لأنك وجدت راحة.

منذ ذلك اليوم، أصبحت الفتاة تتوجه إلى الحديقة كلما شعرت بضجيج الأفكار، وتجد في كل زيارة معنى جديدا يساعدها على فهم نفسها والعالم من حولها.