كان حدثا بارزا قرارُ حركة النهضة التونسية، ذات المرجعية الإسلامية، فصل الدعوة عن السياسة، أو الديني عن السياسي، متأثرا بالوضع الجيوسياسي في العديد من دول المنطقة العربية، إذ أثار هذا التوجه الجديد لإخوان الشيخ راشد الغنوشي الكثير من الجدل والسجال داخل الحركات الإسلامية.
ويرى باحثون مغاربة أن قرار “النهضة” التونسية التمايز بين الدعوي والسياسي صائب وحكيم، وأنها أخذت خطوة كبيرة سبقت بها باقي الحركات الإسلامية، ومنها الحركات الإسلامية في المملكة؛ فيما يذهب آخرون إلى أن الذي يؤمن بالمرجعية الإسلامية لا يمكنه خلع عباءة الدين وهو يمارس السياسة.
لكحل: النهضة سايرت حركية المجتمع
ووصف الباحث في الحركات الإسلامية سعيد لكحل قرار حركة النهضة في مؤتمرها العاشر فصل الدين عن السياسة بأنه “قرار صائب وحكيم، لأنه جاء استجابة لمطلب المجتمع التونسي الذي يرغب في الفصل بين الديني والسياسي بنسبة مئوية هامة بلغت 73 في المائة”.
وأوضح لكحل، في تصريحات لهسبيرس، أن “الشعب التونسي جرب حكومة النهضة الإسلامية، وأدرك أنه ليس بحاجة إلى الشعائر والشعارات الدينية ليحل مشاكله الاقتصادية والاجتماعية”، مضيفا أن “التونسيين نظموا سلسلة احتجاجات ضد حكومة النهضة، وطالبوا بإسقاطها، ونجحوا في ذلك”.
وتابع الباحث ذاته بأن “قيادة “النهضة التونسية” تدرك ضرورة الانفتاح على مطالب الشعب لكي تحظى باحترامه، كما أن نضج قيادة الحركة جعلها تعي أن الشعب التونسي لا يعاني من تمزق الهوية، ولا يشعر بأي خوف عليها، فهو محافظ على هويته قرونا خلت قبل أن تظهر حركة النهضة”.
واستطرد المتحدث ذاته بأن “حركة النهضة التونسية ليست هي من سيحمي الهوية الإسلامية ويحفظها في البلاد، بل قد تكون من يهددها إذا حاولت تنميط التدين، وفرض تصور معين له لا ينسجم مع ثقافة المجتمع وأعرافه وعاداته، وتطوره الحضاري والفكري والسياسي”.
وخلص لكحل إلى أن “ميزة النهضة أنها تساير حركية المجتمع، بخلاف باقي الحركات الإسلامية التي تكبح المجتمع، وتصادم رغباته في الانفتاح والتطور والديمقراطية”، مبرزا أن “النهضة لا تقيد المجتمع التونسي بتحريم الاختلاط والموسيقى، ولا تناهض حقوق المرأة والحريات العامة”.
بولوز: فهم فصل الدعوي عن السياسي
ومن جهته، قال الدكتور محمد بولوز، الباحث الإسلامي وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إن الذي يتعين فهمه مما يسمى فصل الدعوي عن السياسي في تونس وغيرها هو فصل العمل الحزبي، الذي يشارك في الشأن السياسي من خلال آلية المعارضة والتسيير والمشاركة في المؤسسات، عن العمل الدعوي العام.
ويشرح بولوز، في تصريحات لهسبريس، بأن “هذا لا يمنع أفراد الإطار الدعوي من مباشرة الشأن السياسي، انطلاقا من الأطر الحزبية القائمة في المجتمع السياسي، كما لا يمنع دعم جهة سياسة بعينها والتعاون معها بما يناسب الإطار الدعوي، وخصوصا عند التصويت، وجعل العملية السياسية تعكس الإرادة الحرة للمواطنين”.
وشدد القيادي في حركة التوحيد والإصلاح على أنه لا يتصور ممن يؤمن بالمرجعية الإسلامية وينطلق منها، ويعتقد شمولية هداية الإسلام لمختلف مجالات الحياة، بما فيها الشأن السياسي، أن يخلع عنه رداء التدين، أو يتنكر لمبادئ دينه وأحكام شريعته وهو يمارس الشأن السياسي.
واسترسل المتحدث ذاته: “إنما يعمل المنطلق من المرجعية الإسلامية من خلال الأطر السياسية القائمة والقوانين الجاري بها العمل، ثم يوسع دائرة وفاء تلك الأطر لقيم ومبادئ مرجعيته بما يناسب اتساع القناعات بها في المجتمع والسير بتدرج وحكمة، وابتعاد بالكلية عن الفرض والإلزام”.
وخلص بولوز إلى أن “السياسي الإسلامي كما يؤدي واجبه تجاه ربه بالصلاة والصيام والزكاة ونحو ذلك، يتواضع ويصدق ويوفي بعهوده والتزاماته أمام ناخبيه، ويدافع عن دين وقيم وهوية ومصالح من رجحوا كفته على غيره في التصويت والانتخاب”، مبرزا أن “الانسلاخ عن كل ذلك هو عين العلمانية التي تنسف المشروع الإسلامي من أساسه”.