جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
في قلب حي الرحامنة، أحد أقدم الأحياء الصفيحية في الدار البيضاء، يعيش أكثر من 8 آلاف نسمة تحت ظروف قاسية وصعبة، يطاردون حلم السكن اللائق منذ عقود. نشأ هذا الحي في ثلاثينيات القرن الماضي كملاذ للعمال المهاجرين من القرى، لكنه تحول اليوم إلى رمز لمعاناة مئات الأسر التي تنتظر بزوغ الأمل.
مع نجاح فيلم “نايضة.. كبرها تصغار”، الذي أخرجه سعيد الناصري، بدا وكأن هذا الأمل يتخذ شكلاً جديداً. الفيلم، الذي تجاوزت مشاهداته 13 مليون على منصة “يوتيوب” خلال أقل من أسبوعين، سلط الضوء على الحياة اليومية الصعبة في كاريان الرحامنة، مستعرضاً أزمات السكان وسط الأزقة الضيقة والمساكن القصديرية.
رسائل من السينما إلى الواقع
قدم فيلم “نايضة” أكثر من مجرد مشاهد درامية؛ فقد حمل في طياته رسائل إنسانية قوية تجسد تطلعات الأهالي لحياة أفضل. من خلال حوارات أبطاله، عكست أحداث الفيلم تطلعات الأسر إلى حياة كريمة بعيداً عن الفقر والازدحام.
ورغم الأمل الذي أثاره العمل الفني، لا تزال معاناة السكان حاضرة. هذا ما دفع السلطات المحلية إلى التحرك، حيث قام والي جهة الدار البيضاء-سطات، محمد امهيدية، بزيارة الكاريان والوقوف على أوضاع السكان. وبدأت خطط إعادة الإسكان تكتسب زخماً، ضمن مبادرات “مدن بدون صفيح”، لكن التنفيذ يبقى التحدي الأكبر.
خطط الإسكان في الميزان
خصصت الحكومة ميزانية تصل إلى 18.6 مليار درهم لإعادة إيواء 62 ألف أسرة تعيش في أحياء صفيحية، بما في ذلك سكان كاريان الرحامنة. تهدف هذه الخطط إلى نقل الأسر إلى شقق سكنية بدل منحهم بقعاً أرضية، كما كان الحال سابقاً.
وأكد مولاي أحمد أفيلال، نائب عمدة الدار البيضاء، أن المشاريع السكنية والاجتماعية تحظى باهتمام كبير، خصوصاً في ظل استعداد المملكة لاستضافة كأس العالم 2030. وشدد على أن جهود السلطات تهدف إلى تحسين الظروف المعيشية لسكان الأحياء الصفيحية، بالتوازي مع تحسين البنية التحتية.
وقد صادق مجلس جهة الدار البيضاء-سطات على اتفاقية شراكة بين وزارات الداخلية، والإسكان، والاقتصاد والمالية، وعدد من المجالس الجماعية، لتوفير شقق اقتصادية للأسر المتضررة.
تحديات التنفيذ والطريق إلى الكرامة
رغم التوجهات الإيجابية، يظل السؤال المطروح: هل ستترجم هذه الخطط إلى واقع ملموس؟ يتطلع سكان كاريان الرحامنة إلى سرعة التنفيذ، معربين عن أملهم في أن تكون جهود السلطات بداية لتحول جذري في حياتهم.
بالتوازي، سلط نجاح فيلم “نايضة” الضوء على معاناتهم، مما قد يسهم في تعزيز الضغط الاجتماعي لدفع المشاريع قُدماً. ومع ذلك، الطريق لا يزال طويلاً، ويبقى تحقيق حلم السكن اللائق رهيناً بالإرادة السياسية وسرعة تنفيذ الوعود.
سكان كاريان الرحامنة ينتظرون لحظة يتحقق فيها حلمهم، حيث يجدون أنفسهم أخيراً في منازل آمنة وكريمة، بعيداً عن مآسي الحاضر وصعوبات الحياة اليومية.