جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
تفتح قريةٌ نموذجية في أمزميز أبوابها عما قريب في وجه أزيد من 200 طفل وطفلة تيتّموا بسبب الزلزال الذي ضرب في شتنبر الماضي، لتمنحهم الحياة من جديد ويستعيدوا شيئا منها، بعد فقدان أقرب الناس إليهم.
هذا الفضاء، الوحيد من نوعه في الأقاليم المتضررة، اختير له اسم “قرية شمسي”، تعبيرا عن شمس ستسطع وسط ظلمة اليُتم، عبر توفير بيئة حاضنة تساهم في التخفيف عنهم.
تم تجهيز القرية، الممتدة على مساحة هكتارين وسط مدينة أمزميز، بكل ما يلزم من ظروف لكي تأوي تحديدا 262 يتيما مكفولي الأمة، تتراوح أعمارهم بين 3 و18 سنة، وتضع برنامج تأهيل متكامل ودعم النفسي، كما يوكد محمد الفايز، التقني المشرف على القرية .
القرية تشرف عليها حاليا “الجمعية المغربية لحماية الطفولة في وضعية غير مستقرة” التي تأسست سنة 1996، بعدما حصلت على موافقة السلطات المعنية.
واستأثر موضوع التكفل الفوري بالأطفال اليتامى الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد، بعناية خاصة من جلالة الملك محمد السادس في اجتماع العمل الذي ترأسه الخميس 14 شتنبر 2023 بالقصر الملكي بالرباط، لتفعيل البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين والتكفل بالفئات الأكثر تضررا من زلزال الحوز.
وقد وأعطى جلالة الملك أوامره للحكومة من أجل إحصاء هؤلاء الأطفال ومنحهم صفة مكفولي الأمة، واعتماد مسطرة المصادقة على مشروع القانون اللازم، بهدف انتشال هؤلاء الأطفال من هذه المحنة، وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرضون لها للأسف بعد هذه الكارثة الطبيعية.
كيف تم إحصاء الأيتام؟
شرح محمد الفايز، وهو عضو في الجمعية المذكورة، أن الفكرة بدأت في شتنبر الماضي، أي الشهر الذي وقع فيه الزلزال.
وبعد الحصول على الموافقة والترخيص على إنجاز هذا المشروع، في مدة لم تدم طويلا كما أكد، كانت أول خطوة هي إحصاء الأطفال الذين تسبب الزلزال في يتمهم، لذلك تم عقد اجتماعات بين الجمعية وممثلي السلطات المحلية بكل تلاوينها، ومع عائلات الأطفال، بحضور أطباء وخبراء الجمعية، فتم وضع لائحة أولية، كما أوضح محمد الفايز.
وكان الأمر يستدعي التعبئة اللازمة والوصول إلى كل دُوار في إقليم الحوز الجبلي، خصوصا بعد تسجيل محاولات لسرقة اليتامى أو محاولة النصب على عائلاتهم، كما كشف الفايز، لذلك تمت تعبئة فرق متنقلة، وتم تكوين المنخرطين في العملية، عبر تنسيق مع وكالة التنمية الاجتماعية (خاضعة لوزارة التضامن والأسرة) والسلطات الإقليمية.
وبموازاة مع الإحصاء كانت القرية تُشيد، وريثما تنتهي الأشغال كان لابد من ضمان حماية الأيتام الذين تم إحصاؤهم، لذلك تم التعاون مع أسر وجمعيات أخرى، ليتم تبنيهم بشكل مؤقت، وتم منح المُتبنين دعما ماليا ومعنويا لاحتضانهم، خصوصا منهم الذين لا يتجاوزون ثلاث سنوات، إذ يوجد ضمن هؤلاء الـ262 يتيما 13 طفل في هذا السن ويتوجب عدم حرمانهم من التعليم الأولي، كما جاء في تصريح الفايز.
وأوضح المشرف على القرية أنه خلال الإحصاء، كان يتم تصنيف الأطفال اليتامى حسب وضعيتهم العائلية، بين ما فقدوا أبويهم معا، ومن فقدوا واحد منهم، وأعطيت الأولوية لمن فقدوا أبويهم معا ولم يعد لديهم معيل مباشر.
ما الذي تم توفيره؟
حرص القائمون على المشروع أن تكون القرية في حجم مهمتها لتكون ملجأ لهؤلاء اليتامى وفضاء جديدا لإعادة الحياة إليهم، كما صرح الفايز، موضحا أنها تتوفر على كل شيء.
وسيشرف فريق مكون من معلمين ومتخصصين وأخصائيين اجتماعيين للعناية ومواكبة حياة هؤلاء الأطفال، إذ أشار إلى أن التمويل وفّرته شراكةٌ بين الجمعية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن ومؤسسة التعاون الوطني، إلى جانب منظمات وطنية ودولية وسفارات دول. أما اللوجستيك فوفرت السلطات المحلية والإقليمية جزءا كبيرا منه.
أما الموارد البشرية سيشتغل في القرية ما يناهز 36 فردا، بين مربيات ومعاونين وأطر، إلى جانب متعاونين يقدمون خدمات متنوعة، منها التي سيُمنح لهم مقابل عنها وأخرى ستُقدم مجانا، كما أوضح الفايز الذي أشار إلى أن هذه الموارد البشرية خضعت لتكوينات وستتلقى مقابلا شهريا.
ولفت المشرف على القرية إلى أنها تضم أجنحة للمطعمة والمبيت والترفيه، وملاعب، وحتى أجنحة ليبيت فيها أفراد عائلات اليتامى أو الذين تكفلوا بهم.
وحرص المشرفون على القرية على أن يحمي القانون هؤلاء الأيتام، إذ تعاقدوا مع مكتب محاماة لتدبير وضعياتهم الحقوقية (الإرث خصوصا) لتوثيقها.