قصة قصيرة: نوستالجيا إلى ناس “كازا” وغرباء “كازا” !

جريدة أرض بلادي -رحال لحسيني-

 

*** انتبه جيدا لنفسك!! ***

 

 

ساعة المنبه البعيدة تزعجك باستمرار حين يكون موعدها قد مر.

 

كل يوم تتذكر ساعة “الفروج” التي كانت ترهب المنزل القروي المتواجد في أطراف المدينة الكبيرة، برمته، بنائميه وقططه وكلابه وديكته أيضا.

 

“الدار البيضاء”.. يا “الدار البيضاء” مدينة “غولة” حين تريد العودة لمسكنك عند الغروب وأنت مرهق ويغالبك النعاس، تتوق للاستلقاء فوق سريرك، أو .. أي شئ يتحمل انتشار جسدك المتعب جدا.

 

يحاصرك شقاؤك، وأنت تنتظر  وصولك إلى “طاكسي” يقلك إلى المحطة القادمة، قبل استئناف رحلتك منها في آخر غيره، أو إتمامها مع “خطاف”.

***

 

الدور يتمدد ويتمدد، ويلتف كحنش يتسلل في تبن متناثر قرب زريبة النهار المسيجة بأشواك نباث اختفى اخضراره.

 

يخيل إليك أنك لن تصل إلى منزلكم الليلة.

 

مئات الأشخاص مثلك أدمنوا لعبة الانتظار في قلب هذه المدينة القاسية والحنونة أيضا.. تسع قادمين من مدن أخرى وقرى وواحات ومداشر، يصبحون (كذلك) من أهلها.

 

بسرعة لافتة تنهي “كازا” غربة الجميع.

***

 

سيدات جميلات، شابات مرحات (وأطفال غير مزعجين)، يخفف حضورهن ثقل وثيرة المشي إلى “سيارة بيضاء” يكون حظك مثخنا بلهفة الوصول إليها، اخيرا.

 

– أتذكر، كنا معا تلك الليلة، كنت ضيفا عندكم..

 

وقبل ان يسترسل في الكلام يجيبه دون اعتراض:

– نعم.. نعم…

 

يعلم أن هذه مجرد مقدمة.

ابن عمه “يريد فتح موضوع آخر”.

***

 

الطريق من المرسى الكبير، محطة القطار، المدينة القديمة،.. باب مراكش متوهجة، الكرة الأرضية شامخة، المقهى الشهير، الفندق الخرافي..

 

وسط المدينة يعج بالحركة والضجيج المتنامي، السيارات، الدراجات، الراجلين. المنبهات بدأت تحتكر الآذان، شيئا فشيئا. سرعة نفسية عالية، ركض متنامي ظاهر وخفي. صراخ، سب متبادل وأحيانا رفع الأيادي بالإعتذار.

 

الأضواء بدأت تتلألأ وتضفي نكهة خاصة على الفضاء الشاسع.

***

 

– “الدار البيضاء أصلا لا تنام” وأنت تريد أن “تنام مع الدجاج”.

– .. لا يزعجني قولك هذا “الدجاج ينام بعدي”..

 

تنهد بصعوبة، وأضاف:

– العمل الذي كنت أقوم به مرهق للغاية، لو كنت تتعب، وتقطن بعيدا عن عملك، كنت ستعرف قيمة النوم مبكرا.

 

– أنت الآن تقطن قريبا من عملك.. ووضعك أفضل.

يقاطعه من جديد:

– نعم،، بعد ان أنهكتني الأحمال وأعادت عجني الأيام..

***

 

في غفلة منه يشرع في تهييء سريره، يغير غشاء المخدة، يربت عليها،، ويفكر في كيفية إيقاف حديثهما. لا يستطيع مجاراته الآن. وقبل ان يتمم تفكيره في كيفية الوصول إلى ذلك، بادره بسؤال جديد.

 

سؤال متأخر، كان يمكنه طرحه حين رآه يغير ثيابه ويرتدي ملابس النوم:

– ما.. ماذا تفعل؟ … نريد أن… نتحدث… (نريد.. أن.. نخرج) !

 

يتسرب إلى سريره بهدوء، ويجيبه ببرود:

– لا بأس،.. استمتع أنت اليوم… يمكنك الإنبساط والتسكع..

 

فغر (ابن عمه) فاه، نظر إليه بذهول، كأنه يشاهده لأول مرة، تسمر قرب باب الغرفة كتلميذ نجيب يجيد الإستماع، ينتظر ما سيقوله إليه أيضا.

***

 

عطل منبه ساعته الأسبوعي، وخاطبه:

– غدا.. غدا، غدا أحدثك (كذلك) عن صعوباتي الجديدة.. أما الآن.. “أريد أن أنام”. ثم طلب منه إطفاء نور الغرفة.

امتتل له دون تفكير.

 

وبعد برهة سمعه يضيف:

– “انتبه لنفسك جيدا”… !