قطيع غنم.. بقلم: سند أم مهدي

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

 

من الطرائف التي عشتها بالقرية.. كان لنا قطيع غنم صغير، يتكون من ست نعجات وكبش.. كانت فكرة زوجي بعد تقاعده أن يتحول من مدير بنك الى مدير قطيع غنم، جله من الاناث، تماما مثل موظفيه، إذ كان العنصر النسوي غالبا عليهم.. كنا لا نعرف شيئا عن تربية الماشية، لكننا قررنا اننا نسأل ونستشير جيرانا لنا بالقرية.. كان جارنا لايبخل علينا بالنصيحة فهو الذي باع لنا كبشا مسعورا..

في الأول لم ننتبه أنه ينتمي إلى فئة المجرمين في عالم الحيوانات.. كان جارنا -كثر الله خيره- قد أراد التخلص منه، فكنا نحن السذج في قريتنا الموقرة الذين يسروا له المهنة..

في أول يوم اقترح الجار على زوجي ان يربط الكبش.. وستسير النعاح وراءه.. وما إن اقترب زوجي منه وهو في حظيرة البهائم حتى قفز عليه الكبش المسعور، وكاد ان ينطحه.. تراجع زوجي بحذر وقال لي” هذا الكبش عنيف”.. ووقف مشدوها..

لاحظت زوجي يتراجع عن المشي قدما في تربية الماشية.. كيف وهو كان مدير بنك منضبط التوقيت.. أنيق الهندام يتقن ربطة عنقه ويمشي شامخا. كيف سيصبح راعي غنم، جلها نعجات مع كبش وحيد، لم يستطع التحكم فيه….

وقفنا برهة فوق تلة، نراقب شروق الصباح..كانت نسمة منعشة تداعب وجوهنا بعبق الياسمين. اغمضت اعيني استشعر عظمة الخالق. انارت أشعة بيضاء وحمراء الأفق، فأضفت على الصباح هدوءا وسكينة.. جلسنا لحين سمعنا صوت الغنم.. نهض الحاج بسرعة، يحاول تدارك الموقف باللجوء إلى طلب المساعدة.. لكنه تراجع فجأة، ورمقني بنظرة التحدي، وقال لي “سوف اتخلص من هذا الكبش وابيعه غذا في السوق اتركيه في الحظيرة.. الآن سوف اذهب لأقضي بعض الأغراض..”.

تركني وحدي التفت يمينا وشمالا أبحث عن عصا قلت في نفسي من اللازم أن احل هذا المشكل..

توجهت إلى الحظيرة. استجمعت انفاسي. رفعت العصا باليمين وكانت قوتها ٢٠ كيلو غرام.. فتحت الباب بحجم شق عيني لمحته يجري نحو الباب ضرب ضربة ارتعدت لها مفاصلي، لكني بقيت محكمة اليد.. اخرج رأسه قليلا. رحت أنزلت عليه خبطة قوية.. ارجعته للوراء فتحت الباب أكثر.. وصحت في النعاج اخرجن يا سيدات انتن تستحقن الحرية والحياة.. بقي الكبش الهائج يمشي ببطء.. وهو يتجه نحوي.. اعدت ضربة اقل.. داخ وبقي يتبع النعاج.. لكنهن لم يرتعبن خارج فدان البيت .. احتفظت بالعصا.. طيلة مدة المراقبة.. تذكرت ان جمجمة الكبش تكون به دودة هي التي تهيج شرايين مخه، فيصبح عنيفا.. هذا اراحني قليلا وجدت لنفسي مبررا لأكون قاسية..

بعد ساعتين جاء الحاج من السوق ووجدني مع النعجات.. الكبش منزوي لوحده في مكان بعيد ولا يفعل شيئا. كان جالسا بهدوء.. استغرب لهول المنظر وقال لي.. كيف فعلتي هذا يا إمرأة.. من اخرجه.. هل به شيء.. هل أعطيته اكل سممه..

اجبته وأنا مشمرة.. غنتعل حذاء يصل ركبي قال لي ما هذا اللباس نحن في بادية.. استتري أين العباءة.. أجبت أنني راعية للغنم..وان أسوار البيت عالية

أجاب لا لا.. سنعود للمدينة.. وهو يمدني الأغراض التي بيده.. لمحت بينها رداء يشبه في الشكل واللون قميص جارنا الوفي صاحب الكبش القديم.. ماهذا اللباس.. أجاب

لقد اقتنيته لكي أشبه الجار ويعتاد عليا الكبش.. اجبته نعم يجب ان نشبههم في كل شيء، حتى ننجح في مشروعنا هذا.. يجب ان لا نتركهم يستهينوا بمقدوراتنا.. علينا ان نتكيف مع الوضع.. وانا أشير إلى الكبش الهادئ.

انظر صاحبنا. العصا لمن يعصى.. هكذا علمونا.. اليس كذلك ياحاج.. . التفتنا وجدنا الكبش فاقد الوعي

 

بدا الكبش جثة هامدة.. فزعت لهول الموقف.. تحت صخب كلام الحاج جريت إلى أقرب جارة.. وهي زوجة جارنا الصدوق.. وجدتها لوحدها بالبيت.. لأني كنت غعرف مسبقا بأن زوجها يرعى الغنم.. قلت لها ان كبشكم قد مات. لم بعته لنا وهو مريض.. فأجابت بخجل لاحظته بعينيها.. قالت يا ليت يموت لقد كان كل مرة يقتل لنا صغار النعاج واخيرا.. ضرب ابننا الصغير وأحدث له ثقبا في جنبه لولا لطف الله..وتنهدت.

صحت في وجهها ولم بعته لنا وانتم على علم بخطورته.؟. اجابت أنني لا أملك قرارا ولا رأيا مع زوجي.. لمست لها العذر.. وقلت لها الآن اريد استرجاع المال.. ردت باستحياء.. يأتي زوجي واخبره بالأمر..

رجعت ادراجي للبيت وجدت الحاج يتكلم مع جارنا المحتال. كان يجلس القرفصاء بجانب الكبش ويقول للحاج سأكلم البيطري الآن. إن الكبش بخير . انه يتنفس.. لم نكمل الحوار.. وقف البيطري بسيارته غمام الباب.. دخل.. وقفت بجانب زوجي قلت له سبحان الله ان البيطرية تأتي على عجل لو كان عندنا مريض ما لحقنا الإسعاف.. بهذه السرعة.

تعجبت لهذا الاهتمام الغريب بالحيوان.. رد زوجي.. على اسئلتي الكثيرة.. تعلمين أن البقرة احب للفلاح من زوجته.. اجبته وكأني ادافع عن كرامة المرأة.. طبعا هذا يفسر سرعة البيطري وهو احن على البقرة من صاحبها.. أضفت أن البيطري مهتم أكثر بالحيوانات.. ياخذ لبنها وجبنها ولحمها.. الآن فهمت لماذا الهنود عبدوا البقر ..ولماذا يأكلونها.. وضحكت باستهزاء.

وقفت انظر لاسعافات البيطري وقلت لزوجي “قل له انه مسعور يقتل صغاره”.. نهرني وقال “اسكتي يا إمرأة اذا مات سنخسر مالنا.”. أجبته “لا سنرده لصاحبه لأنه صفقة خاسرة”..

قلت للجار كيف صحة ابنك الصغير هل شفي من ضربة الكبش.. تجاهلني.. رحت للبيطري قلت له لا يجوز اكل لحم مسعور اليس كذلك قال نعم قلت خذه معك للمستشفى عالجه.. اقترب الجار من الحاج وقال له سأرد لك مالك..

اقترحت على زوجي ان نبيع الغنم ونجرب تربية الدجاج.. عندها انحنى واخذ إحدى بلغتيه وهوى بها على رأسي.. وقال لي “بل سنعود للمدينة”.