كيف يخفف النظام الغدائي الاضطرابات السلوكية للاطفال التوحديين .

جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-

أكدت الأخصائية في التغذية والحمية العلاجية، رحاب شواري، أن الاهتمام بالنظام الغذائي والحمية العلاجية للأطفال التوحديين يمكن من تخفيف أعراض الاضطرابات السلوكية لديهم.

وأبرزت الأخصائية، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن تغذية الطفل التوحدي تكتسي أهمية بالغة “لأنه يستحيل أحيانا بالعلاجات السلوكية فقط التحكم في سلوكيات هؤلاء الأطفال، لذا من الضروري معالجة المشاكل البيولوجية التي يعانون منها”.

 

وتابعت أن العلاقة بين التغذية وتفاقم الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال التوحديين مثبتة علميا بسبب الارتباط الوثيق بين الجهاز الهضمي (وبالضبط القولون) والدماغ، مشيرة إلى أن “العلاقة الموجودة بين هذين العضوين الحيويين في جسم الإنسان تحدد لنا العديد من التفاعلات الكيميائية التي لها علاقة بالتواصل، وبالنواقل العصبية التي تتحكم في النوم والمزاج وتؤثر بشكل كبير على ذواتنا”.

 

وسجلت رحاب شواري، وهي أيضا رئيسة الجمعية المغربية للحمية والتغذية، أن “وجود خلل على مستوى هذه العلاقة يعني أن التكوين البكتيري على مستوى الأمعاء يتسم بعدم التوازن ما بين البكتيريات النافعة والبكتيريات الضارة، وهو الأمر الذي نلاحظه لدى الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد”، موضحة أن هذا الاختلال في البكتيريا يؤدي إلى ارتفاع مستوى الالتهاب على مستوى القولون والجسم بأكمله، بما في ذلك الجهاز العصبي لدى الأطفال ذوي التوحد الذي يصبح بدوره في حالة التهاب، مما يتسبب في تفاقم الاضطرابات السلوكية لديهم.

 

من جهة أخرى، تضيف الأخصائية، ينجم عن هذا الخلل في التكوين البكتيري على مستوى أمعاء الأطفال التوحديين، مشاكل في الهضم والامتصاص، مما يؤدي إلى بروز نقص في الفيتامينات والأملاح المعدنية، بالإضافة إلى ملاحظة عدد من السلوكيات الغذائية مثل الانتقائية الغذائية، أي أنهم ينتقون الطعام بشكل مفرط بناء على الشكل أو اللون أو المذاق.

 

وسجلت أنه في بعض الأحيان، ورغم اتباع الأطفال التوحديين لنظام غذائي، إلا أنهم يعانون من نفس الخلل على مستوى الجهاز الهضمي، الذي يتسبب في إصابتهم بالعديد من أنواع الحساسيات الغذائية بسبب عدم تقبل أجسامهم للكثير من الأغذية.

 

وانطلاقا مما سبق، تؤكد الأخصائية على أهمية تحقيق التوازن البكتيري لدى الأطفال ذوي التوحد من خلال الحد من تكاثر البكتيريا الضارة على مستوى الأمعاء التي تطرح السموم في الجسم وتؤثر على جهازهم العصبي، ودماغهم، وعلى إفراز النواقل العصبية، وعمل العديد من الغدد والكبد، وذلك من أجل خفض مستوى الالتهاب والس مية في أجسامهم.

 

وبخصوص الأغذية المنصوح بها لتحسين حالة الأطفال التوحديين، أكدت رحاب شواري أنه رغم وجود بعض النصائح الغذائية المشتركة الخاصة بجميع الأطفال التوحديين، إلا أن كل طفل منهم يشكل حالة خاصة تحتاج حمية علاجية مناسبة له، وذلك أخذا بعين الاعتبار الحساسيات الغذائية التي يعاني منها، موضحة أنه من بين هؤلاء الأطفال من يعاني من حساسية الغلوتين (بروتين موجود في الحبوب) أو الكازيين (بروتين موجود في الحليب ومشتقاته) أو الأكسالات (مادة طبيعية تنتج عن هضم عدد كبير من الأغذية والمشروبات)، وهذا يعني ضرورة تفادي المواد الغذائية التي تحتوي على هذه المكونات أو التقليل من استهلاكها (في حالة ارتفاع الأكسلات مثلا).

 

وأكدت في هذا الصدد، على أن الأمر لا يتعلق بالحرص على التغذية المتوازنة للطفل التوحدي فقط، وإنما باتباع حمية علاجية مبنية على التحاليل الطبية للطفل والسلوكيات التي تظهر عليه، سواء تعلق الأمر باضطرابات على مستوى النوم أو التركيز أو الحركة الزائدة.

 

كما أشارت إلى أنه عموما، هناك مواد ي نصح بشدة بتفاديها مهما كان مستوى التوحد لدى الطفل أو السلوكيات التي يقوم بها، لأنه ثبت علميا أنها تساهم في تفاقم حالة الأطفال التوحديين، مسجلة أن الأمر يتعلق بالأساس بالأغذية المحتوية على السكر، بما في ذلك السكر البني وسكر الكوكو، لأن المواد الغذائية الحلوة تغذي البكتيريا غير النافعة وتزيد من حدة مشكل عدم توازن البكتيريا على مستوى الأمعاء، مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى الالتهاب في الجسم الذي يتسبب بدوره في اضطرابات في النوم وفي السلوك وزيادة الحركة ونقص في التركيز.

 

وقالت في السياق ذاته “السكر له تأثير جد سلبي على الجهاز العصبي لدى الأطفال التوحديين، وإزالته من نظامهم الغذائي يساعدنا على التحكم في السلوكيات الصادرة عنهم”.

 

ويتعين كذلك، تضيف الأخصائية، تجنب الدقيق الأبيض الذي يغذي بدوره البكتيريا الضارة في الأمعاء ويزيد من مشاكل الهضم والامتصاص لدى الأطفال التوحديين، بسبب عدم احتوائه على ألياف غذائية. ويجب أيضا تفادي تناول الطفل التوحدي للأغذية المصنعة، وكذلك المكملات الغذائية بدون القيام بالتحاليل الطبية اللازمة وبدون استشارة أهل الاختصاص.

 

وفي المقابل، يجب زيادة حصة الخضر والفواكه في تغذية الطفل التوحدي، ومعالجة مشكل الانتقائية الغذائية لديه، وكذلك المشاكل الغذائية الأخرى التي تؤثر على الهضم وامتصاص الفيتامينات والمعادن.

 

من جهة أخرى، حذرت الأخصائية من خطورة “التطبيب الذاتي”، بسبب لجوء عدد من الآباء إلى اعتماد أنظمة غذائية مأخوذة من الانترنت أو حميات مكنت من تحسن حالة البعض، وكذا استخدام المكملات الغذائية بشكل عشوائي، مما قد يتسبب أحيانا في إلحاق الأذى بأطفالهم.

 

واستشهدت في هذا الصدد، باعتماد العديد من آباء الأطفال التوحديين، وبدون استشارة طبية، الحمية العلاجية القائمة على حذف المنتجات التي تحتوي على الغلوتين والكازيين، بسبب النتائج الجيدة التي حققتها هذه الحمية لدى بعض الحالات، مما يؤدي إلى حدوث مشاكل في النمو لدى أبنائهم، مضيفة أن هناك أيضا من الآباء من يلجأ إلى حقن ابنه المصاب بالتوحد بحقن (B12) من أجل مساعدته على الكلام، بدون القيام بالتحاليل الطبية اللازمة والتأكد من أن الطفل لديه نقص في هذا الفيتامين.

 

وأعربت عن أسفها للنقص المسجل في المختبرات المتخصصة في هذا النوع من التحاليل، وكذلك عدم وجود تعويض على العديد من التحاليل الطبية والمكملات الغذائية من طرف هيئات التأمين عن المرض، مما يدفع العديد من الآباء إلى التغاضي أحيانا عن الاستشارات الطبية والتحاليل وعدم سلك الخطوات الطبية الصحيحة التي تساعدهم على تحسين حالة أبنائهم.