لا خوف على شعب به مثقفون.
بقلم:المعطي ولدالمسكين.
في خضمّ ما تشهده الشعوب من أزمات وصراعات وتحولات كبرى، تبرز الثقافة كخط الدفاع الأول، والمثقف كضمير حيّ يقف في وجه التزييف والتضليل والانحدار. وليس غريبًا أن نقول بثقة: “لا خوف على شعب به مثقفون”، فهي عبارة تختصر في كلماتها القليلة معنىً عميقًا، وتُبرز الدور الجوهري للثقافة في صناعة المجد الإنساني وحماية الأوطان.
فالمثقف، في جوهره، ليس مجرد حاملٍ لشهادات أكاديمية أو قارئ نهم للكتب، بل هو صوت العقل، ومرآة الضمير، وحامل مشعل الوعي في الظلمات. هو من يزرع الأسئلة في أرض الصمت، ويكسر جدران القوالب الجاهزة، ويعيد تشكيل المفاهيم بما يخدم الإنسان وكرامته. وجود المثقفين في أي مجتمع يعني حضور العقل النقدي، وغياب التبعية العمياء، وتحصين الناس ضد الجهل والخرافة والعبثية.
إن المجتمعات التي أنجبت مثقفين حقيقيين — لا أولئك الذين يعتاشون على الهامش أو يقفون على أعتاب السلطان — هي مجتمعات استطاعت أن تخلق لنفسها مسارًا مستقلًا، وتنهض من كبواتها مهما اشتدّ عليها الخطب. فالتاريخ يخبرنا أن الثورات الفكرية كثيرًا ما سبقت الثورات السياسية، وأن التحولات الكبرى تبدأ من فكرة، من كتاب، من قلم حرّ يجرؤ أن يقول “لا” في وجه الطغيان، أو “نعم” في وجه الأمل.
والشعوب التي تحترم مثقفيها، وتمنحهم المساحة للحوار والنقد والمساءلة، تبني لنفسها مستقبلًا آمنًا، قائمًا على التوازن بين السلطة والمعرفة، بين القرار والرؤية. أما الشعوب التي تُقصي مثقفيها، أو تهمّشهم، أو تُخوّنهم، فإنها تحفر قبرها بيدها، إذ تُسلم رقبتها لجهلٍ أعمى أو لقوة غاشمة لا رادع لها.
وفي صلب هذه المنظومة الثقافية، لا يمكن أن نغفل عن دور الصحفي والمراسل، بوصفهما من أبرز وجوه المثقف الميداني. فالصحفي لا يكتفي بنقل الخبر، بل يتحول إلى عين المجتمع وعقله ولسانه، يحلل الواقع، يكشف الحقائق، ويقف في وجه التعتيم والتضليل. أما المراسل، فهو في قلب الحدث، يعرض الصورة الحقيقية كما هي، دون رتوش أو تزوير، مخاطبًا وعي الناس لا غرائزهم. إنهما يشكلان خط الدفاع الأول عن حق الشعوب في المعرفة، ويسهمان في تشكيل رأي عام واعٍ قادر على الفهم والمساءلة. فمتى ما كانت الصحافة حرّة، والكلمة صادقة، والمهنية حاضرة، كان المجتمع محصّنًا، وكان المستقبل أقل غموضًا وخوفًا.
إن ما نحتاجه اليوم، في هذا العالم المتقلب، ليس المزيد من الشعارات، بل المزيد من المثقفين الصادقين، الذين لا يخشون الحقيقة، ولا يساومون على الكرامة، ولا يغرقون في أبراجهم العاجية.
فلا خوف، حقًا، على شعب به مثقفون.
المعطي ولدالمسكين.