مدونة الأسرة: بين الجدليات الذكورية والتغييرات المجتمعية

جريدة أرض بلادي – اسماء بومليحة

مع اقتراب الإعلان عن التعديلات الجديدة في مدونة الأسرة المغربية، تشهد الساحة العامة جدلاً واسعاً يشتد داخل الأسر وعلى منصات التواصل الاجتماعي. أسئلة متعددة تُطرح، لعل أبرزها: هل الزواج بعد الطلاق حق حصري للرجل؟ وهل تكفي نفقة الأب المقدرة بـ500 درهم لكل طفل لضمان حياة كريمة للأبناء؟

 

تُظهر هذه الأسئلة التفاوت الواضح في مستوى الوعي المجتمعي، خاصة بين الرجال. هنا يبرز التساؤل: هل الزواج مؤسسة قائمة على الاستقرار والمسؤولية الأسرية أم أنه وسيلة لتحقيق الرغبات الشخصية فقط؟

المجتمع المغربي، كغيره من المجتمعات، يمر بتحولات اجتماعية وثقافية كبيرة. ومع الأسف، تتحمل النساء العبء الأكبر لهذه التغيرات، سواء من خلال العنف بجميع أشكاله أو النتائج السلبية الناجمة عن ارتفاع معدلات الطلاق.

 

تشير الإحصائيات الرسمية إلى وجود أكثر من 100 حالة طلاق يومياً في المحاكم المغربية. هذه الأرقام تعكس واقعاً مريراً يهدد استقرار الأسرة المغربية ويؤدي إلى تشرد الأطفال. ومع قلة الالتزام بالمرجعية الدينية، تصبح القوانين والتشريعات الأداة الوحيدة لتنظيم العلاقات الأسرية وضمان حقوق جميع الأطراف.

 

منذ إصدارها الأول في التسعينيات، ثم تحديثها عام 2004، شكلت مدونة الأسرة أداة مهمة في تنظيم العلاقات الأسرية. لكن مع تطور المجتمع، أصبح من الضروري إدخال تعديلات جديدة تعكس التحولات الراهنة. الإصدار المرتقب لعامي 2024/2025 يتضمن 400 بند تغطي الأسرة والإرث، إلا أن العادات والتقاليد لا تزال تعرقل التطبيق الفعلي لهذه القوانين.

 

تترك المشاكل الناتجة عن الطلاق آثاراً نفسية واجتماعية كبيرة على النساء والأطفال. النساء غالباً ما يُتركْنَ لتربية الأبناء بمفردهن، بينما يتجه الرجال سريعاً نحو الزواج مرة أخرى. كما أن التقاليد تكرس نظرة دونية للمطلقة وأبنائها، مما يزيد من معاناتها.

 

إحدى النقاط الشائكة في مدونة الأسرة هي قضايا الإرث. في غياب الابن الذكر، غالباً ما تُهمش حقوق الأم رغم دورها الأساسي في بناء الأسرة. النساء، اللواتي يعملن داخل البيت وخارجه، يجدن أنفسهن في مواجهة مستقبل مجهول عند وقوع الطلاق أو وفاة الزوج.

 

جلالة الملك محمد السادس، في خطاباته السامية، شدد مراراً على أهمية الأسرة في تحقيق التماسك المجتمعي. وأكد أن الأطفال هم المستقبل، وأن الاهتمام بهم يجب أن يكون أولوية وطنية. يقول جلالته: “الإشكالية الاجتماعية تشكل الرهان الأكبر الذي يجب رفعه لتحقيق مشروع اجتماعي تنموي.”

 

يبقى الهدف الأساسي من تعديل مدونة الأسرة هو حماية حقوق جميع أفراد الأسرة وضمان مستقبل أفضل للأطفال. فبناء مجتمع متماسك يتطلب قوانين عادلة تراعي الواقع وتواجه التحديات المستجدة.

 

مدونة الأسرة ليست مجرد نص قانوني، بل هي انعكاس لروح المجتمع المغربي وطموحه نحو مستقبل أكثر عدلاً وإنصافاً. ومع ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون لتجاوز التقاليد والعادات التي تعرقل التقدم نحو مجتمع متوازن ومستقر؟