مصطفى لغتيري: صوت الأدب المغربي الحديث ومرآة التحولات الاجتماعية”بقلم :خالد سلامة

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

مصطفى لغتيري، من مواليد عام 1965 في الدار البيضاء، هو كاتب وروائي مغربي استطاع أن يترك بصمته الخاصة في المشهد الأدبي المغربي والعربي. بدأ مسيرته التعليمية في المدينة التي وُلد فيها، حيث تخرج من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة عين الشق. اختار مهنة التدريس، والتي واصلها منذ عام 1991 حتى تقاعده في 2023 بناءً على طلبه.

 

تمثل أعمال مصطفى لغتيري مرآة دقيقة تعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمغرب، خصوصًا في النصف الثاني من القرن العشرين. في أعماله الروائية، تناول القضايا الاجتماعية الحارقة مثل النزوح من القرى إلى المدن، تحولات دور المرأة في المجتمع، تأثير الحركات السلفية، والانعكاسات النفسية والسياسية للتحولات التي شهدها المغرب بعد الاستقلال.

 

نجح لغتيري في توظيف أسلوب سردي سلس وجذاب في رواياته وقصصه القصيرة، ما جعل أعماله قريبة من القراء. وقد تُرجمت العديد من إبداعاته إلى لغات مختلفة، مما ساهم في نشر فكره الأدبي خارج حدود المغرب. جوائزه المتعددة، من لبنان وسوريا والمغرب، تشهد على تقدير واسع لموهبته وإسهاماته الأدبية.

 

إلى جانب كونه كاتبًا، فإن مصطفى لغتيري يُعتبر واحدًا من الوجوه البارزة التي أسهمت في تطوير الثقافة الأدبية في المغرب. عبر توليه لمناصب قيادية في اتحاد كتاب المغرب، ساهم لغتيري في تعزيز التواصل بين الأدباء والنقاد، وأشرف على تنظيم العديد من الفعاليات الأدبية التي جمعت مبدعين من مختلف أنحاء العالم العربي. من خلال رئاسته للصالون الأدبي وتأسيسه لـ”غاليري الأدب”، أثبت لغتيري التزامه المستمر بنشر الثقافة وتقديم منصات للإبداع الأدبي.

 

يتميز لغتيري بتنوع إنتاجاته الأدبية التي تشمل الرواية، القصة القصيرة، والمقالات الأدبية. وهذا التنوع يعكس اهتمامه العميق بتحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية والفكرية. في أعماله الروائية مثل “رجال وكلاب” و”عائشة القديسة”، يصوّر التحديات التي تواجه الإنسان المغربي بين تقاليد المجتمع وضغوط التحولات الاجتماعية الحديثة. وفي أعماله الأخرى مثل “رقصة العنكبوت” و”تسونامي”، يستكشف لغتيري الهواجس النفسية والاجتماعية في بيئة تتسم بالتحولات العنيفة.

 

إسهامات مصطفى لغتيري الأدبية نالت تقديرًا واسعًا من النقاد والمثقفين، سواء في المغرب أو في العالم العربي. وقد تُرجمت العديد من أعماله إلى لغات أجنبية مثل الفرنسية، الإسبانية، والإنجليزية، مما ساهم في تعزيز انتشاره وتوسيع دائرة قرائه. وقد نال لغتيري العديد من الجوائز الأدبية المرموقة، منها جائزة النعمان الأدبية من لبنان، وجائزة ثقافة بلا حدود من سوريا، وجائزة دار الحرف في الرواية من المغرب.

 

بالإضافة إلى ذلك، حصل على العضوية الشرفية في أكاديمية اللسانيات بتركيا عام 2023، وهو تكريم يعكس مدى تأثيره الأدبي وعالميته.

 

رغم تقاعده من مهنة التدريس، فإن مصطفى لغتيري ما زال نشطًا في المشهد الأدبي، حيث يواصل الإشراف على المشاريع الأدبية وكتابة المقالات والنصوص النقدية. كما يحرص على دعم الكتاب الشباب وتشجيعهم على تطوير مهاراتهم الأدبية، من خلال تقديم المحاضرات والمشاركة في الملتقيات والمهرجانات الثقافية.

 

في النهاية، يمثل مصطفى لغتيري نموذجًا للأديب الملتزم بقضايا مجتمعه، والذي يسعى من خلال أدبه إلى إحداث تغيير حقيقي في وعي القراء. أعماله تعكس التحديات التي يعيشها المجتمع المغربي، لكنها تحمل في طياتها أيضًا دعوة للتأمل والتفكير في المستقبل.