جريدة أرض بلادي -هيئة التحرير-
في زوايا المغرب العميقة، حيث لا يصل الماء إلا عبر دعاء السماء أو مبادرة خيرية عابرة، يقف الآلاف من الفقراء بجرارهم الصدئة وأوانيهم الفارغة في انتظار قطرة حياة. مبادرات حفر الآبار، التي انطلقت من منطلق إنساني نبيل، كانت تُفترض أن تكون شريان أمل في هذه المناطق المنسية. لكن، في الخفاء، تحوّلت إلى باب واسع للاغتناء الفاحش… لا باسم العمل، بل باسم الإحسان.
قصة مالك حفارة الآبار، الذي كان يوماً فقيراً كادحاً يكدّ من أجل لقمة عيش كريمة، صارت تُروى اليوم بنبرة مريرة. لم يكن له رأس مال سوى حُرّيته وكرامته، لكن سرعان ما تبدّلت الأحوال، لا بالاجتهاد وحده، بل باستغلال حاجة الناس، وركوب موجة العمل الإحساني.
دخل هذا الرجل عالم حفارات الآبار من بوابة “المبادرات الخيرية”، بعدما إقتنىى حفارة بإسم جمعية و وأخرى في إسم شقيقه وسرعان ما صار اسمه يتردد في كل حملة، وكل مشروع، وكل “نيّة طيبة”. لا أحد يسأل عن الصفقات، ولا عن الفواتير، ولا عن جودة الخدمة. الأهم أن البئر تُلتقط لها صورة، وينشر الفيديو، ويتلقى المحسنون الشكر والثناء. أما الكلفة الحقيقية، فتبقى في جيب الرجل، الذي راكم الثروة من عرق العطشى ودموع الأمهات.
من حفارة إلى أخرى، ومن بئر إلى أخرى، تحول الرجل إلى “ملياردير العمل الإحساني”، يُسجل كل مشروع بإسم شركته، يرفع الأثمان دون حسيب، ويُمرر الصفقات بلا مناقصة ولا شفافية. ومع كل يوم عطش في القرية، يزداد رصيده في البنك.
ما يؤلم أكثر، أن هذا الثراء لم يأتِ من سوقٍ حرّ أو تجارة مشروعة، بل من سرقة خفية لثقة المتبرعين، ومن استغلال فجّ لمعاناة الفقراء. لم يُصنع هذا الثراء من العرق، بل من الألم.
إنها قصة “الإحسان المختطف”، حين يصبح شعار التضامن واجهة لتبييض الجشع، وحين تتحول المبادرات النبيلة إلى غطاء لمراكمة الثروات… على حساب العطشى، والمحرومين، والمُغفلين.
فمن يُتاجر بآهات الناس… لا يختلف كثيراً عن من يُتاجر بدمائهم