نيني يا مومو”… مسرحية تصرخ بوجع المغرب المنسي!

جريدة أرض بلادي – اسماء بومليحة

في عرض مسرحي اختلط فيه الألم بالجمال، والتشخيص بالفكر، شهدت القاعة الصغرى لمديرية الثقافة بالداوديات – مراكش، لحظة فنية استثنائية مع مسرحية “نيني يا مومو”، التي قدمتها فرقة السلام المسرحي، ووقّعها قلم الكاتب عبد الحق الصقلي، وأخرجها المبدع عبد العزيز أوشنوك، بتشخيص قوي للممثلة نادية المسناوي.

 

المسرحية، ذات الطابع المونودرامي، لم تكن مجرد حكاية امرأة مسحوقة تُدعى “شامة”، بل كانت صرخة مكتومة باسم آلاف النساء المغربيات، اللواتي يُغتال كيانهنّ يوميًا في صمت، تحت وطأة الاستغلال، ووسط صمت مجتمع يُتقن ترديد الأوهام أكثر مما يجيد صناعة العدالة.

 

“شامة”، بطلة العمل، ليست مجرد شخصية درامية، بل رمز لطبقة اجتماعية مسحوقة، تعيش على هامش الحياة. تكشف المسرحية، بلغة مغربية فصيحة ونابضة، كيف تُغتصب الحقوق وتُشوه الكرامة، وكيف يصبح الجسد وسيلة للعيش في مجتمع لا يرحم الضعفاء. ومع ذلك، لا تُقدم المسرحية المرأة كضحية فقط، بل ككائن مقاوم، يحمل الحلم رغم مرارة الواقع.

ما ميّز هذا العمل المسرحي هو اعتماده على تقنيات مبتكرة مستوحاة من المدرسة البريختية، من كسر الجدار الرابع، إلى التفاعل المباشر مع الجمهور، ودمج عناصر سينمائية وموسيقية ضمن العرض. ولعل لحظة نزول “شامة” من الركح إلى صفوف الحاضرين، ومخاطبتها لهم، شكّلت ذروة درامية مؤثرة، حمّلت الجمهور مسؤولية جماعية إزاء ما يحدث.

 

بأداء مبهر جمع بين الألم والتمرد، استطاعت نادية المسناوي أن تُجسّد المعاناة بلغة الجسد، ونبرة الصوت، وانفعالات الروح. أما الفنانة نزهة الجعيدي، فزينت العرض بغنائها الحزين، لتكون الموسيقى صوتًا ثانيًا لشامة، ينزف ويقاوم في آن.

 

وراء هذا العمل طاقم فني متكامل: من إدارة رشيد بيديد، إلى الإضاءة، والسينوغرافيا، والمونتاج، كلها عناصر انسجمت لتجعل من “نيني يا مومو” تجربة مسرحية صادقة، تُخاطب الوجدان وتوقظ الوعي.

“نيني يا مومو” ليست مجرد عنوان شعبي متداول، بل جملة رمزية تختزل واقعًا اجتماعيًا يتربّى فيه الناس على الصبر والتأجيل، في انتظار “عشاء” لن يأتي أبدًا. لكن المسرحية، بعكس ذلك، لا تنتظر، بل تواجه، وتصرخ، وتفضح. إنها دعوة للاستيقاظ، من أجل مجتمع أكثر عدلًا، وإنسانية، وكرامة.