بقلم : معاذ فاروق استاذ ومهندس دولة مهتم بقضايا الشأن المحلي بسطات.
مدينة سطات، تلك الجوهرة الخفية التي تتراءى على ضفاف السهول الخصبة، تُجسد تاريخًا عريقًا يمزج بين الأصالة والحداثة. ومع ذلك، تعيش اليوم هذه المدينة تحديات جسيمة تهدد مستقبل شبابها، الذين يُعتبرون عماد المجتمع وقادته. وفقًا لإحصاء عام 2014، بلغ عدد سكان مدينة سطات حوالي 142,250 نسمة، مما يضعها في مصاف المدن المتوسطة الحجم في المغرب. لكن ما يثير القلق هو أن نسبة الشباب، التي تتراوح أعمارهم بين 15 و34 عامًا، تُشكل ما يقارب 30% إلى 35% من إجمالي السكان. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات جافة، بل تعبر عن جيلٍ كامل من الطموحات والأحلام المحبطة.
على الرغم من أن التعليم قد شهد تقدمًا ملحوظًا، حيث ارتفعت نسبة الحاصلين على الشهادات التعليمية (البكالوريا، التعليم العالي، أو التكوين المهني) إلى ما بين 10% و20% من مجموع السكان، إلا أن البطالة تبقى العائق الأكبر أمام هؤلاء الشباب. إذ تراوحت نسبة البطالة بين الشباب في سطات بين 20% و30%، مما يُلقي بظلاله على طموحاتهم ويعكس الإحباط الذي يعانون منه في حياتهم اليومية. إن هؤلاء الشباب، الذين يحملون شهادات جامعية في مختلف التخصصات، يقفون على أعتاب الثلاثينيات، متسائلين عن فرص العمل التي قد لا تأتي أبدًا إذن فما هي التحديات التي تواجه مدينة سطات في توفير فرص العمل وتنمية الشباب في ظل الواقع الاقتصادي والاجتماعي الحالي؟.
تشكل هذه الظاهرة تحديًا حقيقيًا للمدينة، حيث يتدفق الشباب نحو العاصمة أو المدن الكبرى الأخرى بحثًا عن فرص أفضل، مما يؤدي إلى نزوح جماعي من البوادي المجاورة. وهذا النزوح ليس مجرد حركة سكانية، بل هو انكسار في الروابط الاجتماعية والقيم التقليدية التي كانت تميز هذه المنطقة. تجد الأحياء الشعبية في سطات نفسها مليئة بالوجوه الجديدة التي تسعى لتأسيس حياة جديدة، ولكنها تُصطدم بالواقع القاسي الذي يفتقر إلى الفرص.
يتعاظم الخطر عندما نجد أن غياب الاستثمارات الفعالة في المدينة أدى إلى ضعف المنطقة الصناعية، التي كان يُفترض أن تكون محركًا رئيسيًا للتنمية الاقتصادية. المنطقة الصناعية بسطات، التي كانت تُعد مصدرًا محوريًا للوظائف، تحولت إلى كيان بلا روح. الشركات الصغيرة التي تُسيطر عليها لا تلبي احتياجات السوق المحلية ولا تقدم فرص عمل كافية. بل أكثر من ذلك، فإن معظم هذه الشركات تُفضل توظيف النساء الشابات لأسباب تتعلق بمتطلبات العمل أو بدوافع اجتماعية، مما يزيد من حدة الإقصاء الذي يعاني منه الشباب الذكور، ونتيجة لذلك، يتجه العديد منهم نحو خيارات قاسية وغير صحيحة. إذ تلجأ بعض الفئات إلى تعاطي المخدرات والإدمان على الكحول كوسيلة للتخلص من وطأة الإحباط واليأس. هذه الظواهر الاجتماعية المُقلقة لا تُهدد فقط الأفراد، بل تُشكل خطرًا حقيقيًا على النسيج الاجتماعي للمدينة، مما يؤدي إلى زيادة معدلات الجريمة والانحراف، وفي خضم هذه الظروف الصعبة، يتطلب الحل تدخلًا شاملاً ومتناغمًا من مختلف الجهات المعنية. يجب على وزارة التشغيل، التي تتحمل مسؤولية تأطير الشباب وتأهيلهم لسوق العمل، أن تجعل مدينة سطات من أولوياتها. ينبغي إطلاق برامج تكوينية تُعنى بتأهيل الشباب في مجالات جديدة تتماشى مع التحولات الاقتصادية العالمية، بما يضمن تزويدهم بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل بنجاح، كما أن المجلس البلدي والمجلس الإقليمي يقع على عاتقهما مسؤولية خلق بيئة جاذبة للاستثمار ويتوجب عليهما تقديم تسهيلات إدارية ودعم مالي لجلب مستثمرين جدد إلى المدينة. فالاستثمارات هي السبيل الوحيد لإعادة الحياة إلى المنطقة الصناعية وتوفير فرص العمل التي تشتد الحاجة إليها. يجب أن يكون هناك حوار مفتوح بين القطاعين العام والخاص لتشجيع الابتكار والاستثمار في المشاريع التي تتماشى مع احتياجات المجتمع، كما لا يمكننا إغفال دور البرلمانيين الذين يمثلون المدينة في البرلمان. فإقليم سطات يتواجد فيه 6 برلمانيين، ولكن يجب أن يتحلوا بالإرادة الفعلية لمواجهة هذه التحديات. ينبغي عليهم التحرك بجدية للتواصل مع الوزارات المعنية والمستثمرين، بهدف جلب مشاريع اقتصادية جديدة إلى المدينة. تُسائلهم الأحلام العالقة للشباب: أين تلك المشاريع التي وُعدوا بها، وأين هي الاستثمارات التي كان يُنتظر أن تعيد الحياة للمنطقة الصناعية وتجعلها قلبًا نابضًا بالعمل والإنتاج؟
أضف إلى ذلك، أن مدينة سطات تُعرف أيضًا بتحدياتها في مشروع “سيطا بارك”، الذي كان يُفترض أن يُشكل نقطة تحول في تنمية المدينة. لكن، للأسف، لم يرَ هذا المشروع النور لأسباب متعددة تشمل العقبات الإدارية، غياب التمويل الكافي، وصعوبات في التنسيق بين الجهات المسؤولة. تعكس هذه العوامل ضعف الإرادة في إنعاش المدينة واستغلال إمكانياتها.
كما يجب أن تُقدم المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دعمًا فعّالًا للشباب الحاملين للمشاريع المدرة للدخل ، كي يتحقق حلمهم في بناء مستقبل مشرق. يُمكن أن يكون هذا الدعم وسيلة فعالة لخلق فرص عمل جديدة وتحقيق التنمية المحلية المستدامة. إن الشباب هم رأس مال المدينة الحقيقي، وإذا استمر إهمالهم، فإن سطات ستفقد أعظم ما تملك: أملها في غدٍ أفضل. يجب أن تُجمع الجهود بين مختلف الأطراف المعنية لتجديد الآمال في قلوب الشباب، وتعزيز انتمائهم لمجتمعهم.
في نهاية المطاف، تحتاج مدينة سطات إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها التنموية، واستثمار طاقات شبابها في سبيل بناء مستقبل يُعبر عن تطلعاتهم وآمالهم. فالاستثمار في الشباب هو استثمار في المستقبل، وبدونهم ستبقى المدينة متعثرة، عازفة عن تحقيق أحلام أبنائها، مكتفية بأحلام ضائعة وآمال مؤجلة. ورغم التحديات الكبيرة، يجب الإشارة إلى أن هناك مجهودات حثيثة من طرف السلطات الإقليمية والمحلية، وكذلك من بعض الفاعلين الخواص في محاولة لتغيير هذا الواقع، غير أن تلك المجهودات تحتاج إلى تكثيف وتوسيع نطاقها، لتكون أكثر شمولية وفعالية بما يضمن خلق بيئة تنموية قادرة على احتواء الشباب وتحقيق آمالهم المتجددة.