أفاق القراءة والتأويل في روايات مصطفى لغتيري كتاب نقدي جديد للكاتب عبد النبي البزاز

 

جريدة أرض بلادي-هيئة التحرير-

عن منشورات غاليري الأدب صدر حديثا كتاب نقدي جديد، يحمل عنوان “آفاق القراءة والتاويل في روايات مصطفى لغتيري”وهو للناقد المغربي عبد النبي البزاز، ويتضمن بين دفتيه 127 صفحة من الحجم المتوسط، تشتمل على مجموعة من المقالات التي انصبت بالدراسة والتحليل على عدد من روايات الكاتب المغربي مصطفى لغتيري، وجاء في تقديم الكتاب
” تتميز روايات الأديب والروائي المغربي مصطفى لغتيري بميزات التعدد والغنى والتنوع، مما أكسبها طابعا تجريبيا من خلال فعل كتابة موسومة باطراد وانتظام أسس لبنات صرح سردي وروائي مطبوع بغزارة الكم ( 19رواية )، وما أفرزته من تكامل وتناغم نوعي عبر تنويع في الموضوعات والتيمات عبر استعمال مختلف ومغاير لعناصر الحكي، مما نأى بها عن السقوط في مغبة النمطية والتكرار، رغم الطبيعة الكمية للأعمال المُنتَجة، بل رسم معالم تجربة سردية في مجال الكتابة الروائية بمختلف أنواعها وألوانها انطلاقا مما هو محلي في توظيف لموضوع الأمازيغية، كمكون من مكونات تراث غني ومتنوع، في رواية ” تراتيل أمازيغية “، وما طبعها من زخم أسطوري بمرجعيات تاريخية، وما هو قاري في انفتاح على القارة الإفريقية من خلال رواية ” ليلة إفريقية “، واستلهام تاريخي ذي نزعة تراثية حضارية في ” زوجة الملوك الثلاثة ” مع استحضار لحقبة حكم المرابطين وما اتسمت به من إشعاع حضاري، وزخم بطولي . وموضوع الصراع الموروث عن فترة الاستعمار الفرنسي، بسبب الحدود بين المغرب والجزائر، وما عرفه من تأجج وتشنج تمخضت عنه مآسي مختلفة الأشكال، متعددة التبعات والامتدادات في رواية ” أسلاك شائكة “، مع تحول لافت للنوع البوليسي الذي تجسد في ” زنبقة المحيط”، وشكل السيرة الروائية في ” شهوة الأمكنة “، وما عرفته من تقمص السارد لمهمة الحكي، وما عكسته من جوانب ذاتية لحياة الكاتب، وما ارتبط به حسيا وذهنيا ووجدانيا بأمكنة خلفت أثرها وتأثيرها البارز على نفسه وفؤاده لما عاشه في كنفها من أحداث ووقائع ظلت راسخة في حناياه وكيانه كالدار البيضاء بمختلف أرجائها و فضاءاتها. فضلا عن موضوع الحلم الذي برز، بشتى التمظهرات والتجليات، في رواية ” رقصة العنكبوت “، والجانب التكنولوجي من خلال ” أمومة لم تكتمل “، بحيث سيطرت الروبوهات على جزء من فصول المدونة السردية بولوجها فضاءات البيوت ، وقيامها بواجبات أساسية كإعداد الطعام: ” كانت بعض الروبوهات منهمكة في… إعداد مائدة الإفطار … لقد برمجتها سلفا للقيام بهذا العمل …” ص 16 ، بل تجاوزت ذلك لموضوع التبني والذي اقترحته ريم على زوجها : ” نتبنى إنسانا آليا … لقد صنع الصينيون إنسانا آليا جديدا، لا يفصله عن الإنسان الحقيقي غير القليل … ” ص 21، والتيمة التاريخية عبر شخصيات ذات حمولة ثقافية وحضارية وبطولية كيوسف بن تاشفين، وزينب النفزاوية في رواية ” زوجة الملوك الثلاثة “، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر سنة 2001 من هجوم بالطائرة على البرج التجاري بنيويورك الأمريكية وما خلفه من خسائر مادية وبشرية بامتدادات ضاعفت من منسوب العنصرية لدى فئة من أمريكان وصهاينة وحتى من أوروبيين تجاه العرب والمسلمين والأفارقة، كما تجسد ذلك في رواية ” أحلام المسيسبي على ضفاف سبو”. ولم تخل روايات من قبيل ” رجال وكلاب ” في خلق علاقة انزياحية بين الكاتب والقارئ، وكسر ثنائية مؤلف/ متلقي، منتج / مستهلك بإشراك القارئ في عملية َالإبداع الروائي:” عفوا إن كنت أثقلت عليك أيها القارئ ” ص 49، بل إقحامه وتوريطه في مهمة الكتابة والإنتاج:”هكذا أيها القارئ المفترض، أورطك في هذه المهمة ” ص 13، في تجاوز لموقع التلقي والاستهلاك إلى تحفيز على اجتراح فعل الكتابة : ” وخذ قلما وورقا، وابدأ في سرد تفاصيل حياتك ” ص 78، ليغدو الحكي ليس حكرا على الكاتب وحده حسب أحادية وقطبية التصور المعروف، التي تخول للروائي سلطة الإمساك بدفة السرد ومجرياته، بل تحذو بالمتلقي للدلو بدلوه بشكل تفاعل مُنتِج.
فتجربة مصطفى لغتيري السردية، وفي مجال الرواية بالخصوص، أسست لأفق قراءة مختلفة في رسم معالم علاقة نوعية بين الكاتب وقارئ يتغيا المساهمة الفعالة، والتلقي المُنتِج بصيغ تأويلية مختلفة الرؤى والأساليب، وهي تجربة غنية ومتنوعة يصعب الإحاطة بأهم جوانبها في هذه التوطئة المقتضبة.”