جريدة أرض بلادي -شيماء الهوصي-

يشهد الفضاء الرقمي المغربي في الأشهر الأخيرة تحوّلًا بارزًا في طريقة تعامل الدولة مع المحتويات المنتشرة على شبكات التواصل، بعد سنوات من الانفلات الذي سمح بانتشار خطاب الإساءة والتشهير والتربح من الفضائح. فقد أصبح واضحًا أن مرحلة “صناعة التفاهة” التي سيطرت على المشهد لسنوات طويلة تقترب من نهايتها، مع بروز توجه رسمي يهدف إلى إعادة الانضباط لهذا المجال.
وفي خطوة تعكس هذا التغيير، أمر وكيل الملك بالمحكمة الزجرية في الدار البيضاء، يوم الخميس 27 نونبر 2025، بإيداع المؤثرة سكينة بنجلون سجن عكاشة رهن الاعتقال الاحتياطي، على خلفية شكاية تتعلق بالتشهير تقدم بها طليقها. وتعود فصول القضية إلى تسجيلات متداولة تتضمن اتهامات تمس الحياة الخاصة، وهو ما اعتُبر تجاوزًا خطيرًا لضوابط النشر ومسؤولية استخدام المنصات الرقمية.
ولا تعد هذه القضية حدثًا معزولًا، بل تأتي ضمن سلسلة من المتابعات التي طالت مجموعة من الوجوه التي اشتهرت بإنتاج محتويات مثيرة للجدل أو مسيئة. فقد سبق لهذه الحملات أن أسقطت أسماء عديدة صنعت شهرتها على حساب القيم والأخلاق، قبل أن تواجهها سلطة القانون بحزم، مما أعاد طرح سؤال المسؤولية الرقمية بشكل أكثر حدة.
وتبدو الدولة اليوم عازمة على وقف موجة الانحدار الرقمي التي شاعت في السنوات الماضية، حيث تحوّل السب والقذف والبث الحميمي للمشاكل الأسرية إلى وسيلة لجذب المشاهدات والربح السريع. هذا التحرك يعكس رغبة واضحة في تجفيف منابع المحتوى الرديء، وإعادة الاعتبار لهيبة الفضاء العام، والتأكيد على أن الكرامة الإنسانية ليست مجالًا مفتوحًا للانتهاك تحت غطاء “الترند” أو “المحتوى”.
وفي خضم هذا التحول، يبرز سؤال حول مستقبل المحتوى الرقمي بالمغرب: هل نحن أمام نهاية حقيقية لعهد التفاهة؟ يبدو أن الجواب يميل نحو الإيجاب، لكون المجتمع بات يستشعر خطر هذا الانفلات على الشباب والقيم العامة، ولأن حماية الخصوصية ومنع المتاجرة بها أصبحت ضرورة اجتماعية وثقافية وليست مجرد إجراء قانوني.
ومع أن القضاء يلعب دورًا محوريًا في هذا المسار، فإن مواجهة التفاهة الرقمية تظل مسؤولية مشتركة تتطلب مشاركة الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع المدني. فبناء فضاء رقمي نظيف لا يتحقق إلا بتعزيز المحتوى الهادف، ومراقبة منصات تروّج للابتذال، وصناعة وعي جماعي يحترم القيم ويقاوم الانحدار. وهكذا يصبح اعتقال سكينة بنجلون أكثر من مجرد واقعة قضائية… إنه علامة على بداية مرحلة جديدة تُعيد للفضاء الرقمي توازنه ولمجتمعنا احترامه.
