الإنجازات الدبلوماسية للمنتخب المغربي بمونديال قطر

جريدة أرض بلادي الحسين أيوسف

أُسدل الستار على مونديال قطر 2022 المبهر بكل المقاييس وعلى كل المستويات، واستمتع العالم بهذا الملتقى الرياضي البهيج، وفازت الأرجنتين بالكأس، وربحت منتخبات عدة وعلى رأسهم المنتخب المغربي، وخسرت فرق أخرى منهم المنتخب الفرنسي، ومن خلاله فرنسا التي عادت من المونديال خائبة وخالية الوفاض. و فهمت فرنسا الرسالة، ورأت بأم أعينها حب المغاربة لمنتخبهم ولوطنهم وملكهم وصحرائهم، واعتزاز الأفارقة بجذورهم والعرب، والمسلمون بهويتهم. والفضل كل الفضل يرجع لما حققه المنتخب الوطني المغربي الذي سلط الأضواء على أشياء تجهلها فرنسا ومحجوبة عن العالم، حين صنع الملحمة واستنهض همم الشعوب المستضعفة رافعا شعار لا شيئ مستحيل، ووضع فرنساوالغرب في قفص الاتهام…

الكل يعلم أن في كل المونديالات والمحافل الرياضية الكبرى، نجد سماسرة الفرق التي كانت تظهر قوية، تتفاوض في الكوليس بخبث على أن يترك فريق منهزم من خلال نتائجه في الدوري ويكون محكوم عليه بالخروج، الفرصة للفريق ذو الشهرة و(لفشوش)، وعدم عرقلة بقائه في الأدوار الطلائعية. لكن هذا لم يفلح مع المنتخب المغربي الذي أصر على المنافسة حتى آخر رمق. لأنه فريق منتصر، طموح وشق طريقه بثبات، وعازم على التموقع بين الكبار، وله نتائج مبهرة. وهذا ما جعل القائمين على المنتخب الفرنسي أن يسلكوا طرقا ملتوية ومشبوهة، عن طريق التحكيم والفار، عوض البيع والشراء المباشر. فتبوآ المنتخب المغرب المربع الذهبي كرويا، والرتبة الأولى قيميا وأخلاقيا.

خرجت فرنسا من المونديال غير فالحة في مخططها ومسعاها، منزعجة من التعاطف الجماهيري للقارة الأفريقية، وكل شعوب العالم العربي، والشعوب الإسلامية.. انزعجت بهذا الإلتفاف الشعبي العارم، واتضح لها جليا أن الكرة أطرت هذه الشعوب وألهمتها، واستنهضت هممها، وتيقنت بأن المغرب أصبح مؤطرا ومؤثرا خطيرا…كما المنتخب خطيرا. مؤثرا بإنجازات عدة وطنيا ودوليا، وإنجازا النخبة الوطنية بمونديال قطر كان له تأثير آخر، وبالخصوص على العلاقة الفرنسية المغربية. تأثير سيساهم بقوة في الدفع قدما بحل الخلافات  بين فرنسا والمغرب بفضل دبلوماسية منتخبنا الوطني, الذي ألهب وألهم الجماهير العريضة، هذه الجماهير التي اكتشفت سياسة فرنسا مع المغرب عبر كرة القدم، اللعبة الممتعة والأكثر شعبية التي بسطت الدرس السياسي الإمبريالي، وجعلت الجماهير المغربية والإفريقية تفهم جيدا وبشكل مبسط ومختزل سياسة ماما فرنسا و نوايها اتجاههم. هذا الدرس الذي كان يتطلب آليات أخرى أكثر تعقيدا لتستوعبه الجماهير التي كانت قلوبها معلقة مع المنتخب المغربي، فنجحت الكرة في أن تفي بالغرض وتعبئ الجماهير الطموحة والتواقة للأفضل. فتحول الضغط الجماهيري الكروي إلى ضغط شعبي يناصر الأوطان وهمومها، كما هو حال القضية الفلسطينية.

لقد أصبح المغرب ينافس دولا كبرى على المستوى التأطيري، وبدا يظهر كقوة سياسية إقليمية وقارية على الصعيد الاقتصادي والرياضي… هذا ما استفاقت عليه فرنسا مصدومة ومتخبطة في محاولات يائسة لاسترجاع ما بدأ يضيع من بين يديها، بغيها وسياستها المتغطرسة، سياسة العهود الإمبريالية البائدة.

فانزعجت فرنسا مما يتمتع به المغرب من دبلوماسيات موازية عديدة، كالدبلوماسية الدينية بتكوين الأئمة ونشر الإسلام وثقافة التسامح، والوسائطية في حل النزاعات الموروثة عن الاستعمار، والاقتصادية بالاستثمار، ودبلوماسية تبادل الخبرات في إفريقيا… ودبلوماسية كرة القدم التي نجح فيها منتخبنا، بمد شعبي رهيب، سيأثر على الحضور الفرنسي مستقبلا. وهذا ما فهمته فرنسا جيدا، وهذا ما تخشاه اليوم وتحاول ردع المغرب وكبح جماحه، كما حاولت ألمانيا وإسبانبا…عبثا للحصول على مكاسب ومغانم اقتصادية وسياسية.
صحيح أن الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا لم تتحول إلى قطيعة، والدبلوماسية السياسية تشتغل لحل الخلاف وإعادة العلاقات لطبيعتها، لكن رغم خسارة فرنسا في ورقة مونديال قطر، بقي موقفها دون المنتظر في ظل التحول الذي شهدته قضية صحراءنا لصالحنا منذ الاعتراف الأميركي بها. وهذه الأحداث كلها ستدفع فرنسا بأن تغادر المنطقة الرمادية في قضية صحرائنا، خشية التأثير مستقبلا على حضورها في المغرب وفي أفريقيا أمام تنامي الوعي الشعبي والجماهيري. إذ نعتبر أن الموقف من وحدتنا الوطنية هو المحدد لطبيعة العلاقة مع أي دولة، وأصبحت اليوم الدولة المغربية تطالب شركائها بمواقف أكثر تقدما ووضوحا ويتناسب وطبيعة المصالح المشتركة. كما وضح ذلك صاحب الجلالة ملك البلاد بموقفه الصارم في خطابه بذكرى ثورة الملك والشعب حين قال:. (وأمام هذه التطورات الإيجابية التي تهم دولا من مختلف القارات أوجه رسالة واضحة للجميع: إن ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط الذي يقيس به صدق الصداقات ونجاعة الشراكات، لذا، ننتظر من بعض الدول -من شركاء المغرب التقليديين والجدد- التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها وتراجع مضمونها بشكل لا يقبل التأويل ). فتطوير العلاقات يجب أن تبنى على أساس الاحترام المتبادل، والوضوح في الموقف، سواء كانوا شركاء جدد أو تقليديين ( فرنسا). فرنسا التي تعي جيدا حجم العائدات الاقتصادية لها بالمغرب خصوصا، و بإفريقيا عموما، هذه المصالح التي أصبحت على المحك بفضل تنامي الوعي الجماهيري لهذه الدول، والذي روج له المنتخب المغربي بمونديال قطر، حيث كان ماكرون يشاهد عن كتب هذا الترويج العفوي والناجح والناعم. وأصبحت الجماهير تعلم مسؤولية فرنسا التاريخية والأخلاقية عما لحق المنطقة بفعل الاستعمار، وباتت فرنسا اليوم مطالبة بتقديم موقف متقدم وواضح للجماهير المغربية والإفريقية حول علاقاتها مع شعوب هذه البلدان التي مازالت تعتبرها ضمن مناطق نفوذها منذ الحقبة الاستعمارية. بعد أن أضحى الحضور الفرنسي في أفريقيا مُزاحما من طرف الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وتركيا والصين.
والمنتخب المغربي قالها بصريح العبارة، أن الدول الإفريقية بدأت تنتج نخبا قادرة على تسيير بلدانها وتنميتها كرويا ورياضيا واقتصاديا وسياسيا، وقادرة على الانفلات من هذه التبعية المقيتة، بتنامي الوعي الجماهيري بأهمية الاستقلالية والسيادة الوطنية في كل المجالات، مع عدم الوقوع ضحية الاستغلال الفاحش في الثروات في أفريقيا، هذه التبعية التي جعلت فرنسا تغتني بفعل هيمنتها وحضورها السيئ الذي مازال محفورا في ذاكرة الأجيال.
والإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي، رسالة مفادها، أنه ليس قدرنا أن نرث الضعف والهزيمة على المستوى الوعي والإحساس، لأن نخبنا اليوم غير مستوردة، مدربا ولاعبين وطاقم طبي …وهذا ما شاهده العالم وماكرون على الخصوص، كما لاحظ ومرافقيه أن الوعي الشعبي يتناما يوما بعد يوم بالانتماء الأفريقي والعربي. وله أن يعيد حساباته، لأن المنافع التي تجنيها فرنسا أضحت مهددة، وعهد الامتياز قد ولى، سواء على مستوى الاقتصاد أو الثقافة. وفوز فرنسا بالمباراة لا تأثير له، فوز ليس بورقة رابحة ولا ضاغطة، مما يوضح أن فرنسا لم تبق لديها أوراق تلعب بها مع المغرب بعد الاعتراف بمغربية الصحراء من طرف أمريكا وإسبانبا…فاعترافها أضحى وشيكا. (غيل ديرو النية…أُسير…سير…سير).