ارض بلادي _
توصلت جريدة “أرض بلادي” بمداخلة النائب البرلماني عمر اعنان عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال، المنعقد يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025، لمناقشة موضوع الدخول المدرسي 2025-2026، والتي جاءت غنية بالمعاني، قوية في مضمونها، وواقعية في تشخيصها للوضع التعليمي ببلادنا.
في مستهل مداخلته، النائب البرلماني عمر اعنان عن الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية
لمناقشة موضوع الدخول المدرسي 2025/2026
خلال اجتماع لجنة التعليم والثقافة والاتصال
14 أكتوبر 2025
السيد الرئيس،
السيد الوزير،
السيدات والسادة النواب وأطر الوزارة المحترمون،
في صباح الدخول المدرسي، نرى تلميذًا يجرّ محفظته القديمة بيدٍ، ويمسك بيد أمه باليد الأخرى، يسير منهكًا في غياب النقل المدرسي، عائدًا إلى مدرسته بعد عطلةٍ صيفيةٍ لم ينل منها نصيبه لا من مخيمٍ ولا من نشاطٍ ثقافي أو رياضي او ترفيهي.
يستقبل التلميذ موسمه الدراسي الجديد، وهو يرى في عيني والدته قلقًا دفينًا لا يخفى، يعكس عجز والديه عن تلبية متطلبات الدراسة، وقد أنهكتهم تكاليف العيش والعلاج والسكن. وفي ملامح أخيه الثلاثيني المجاز، العاطل، المقصي بتسقيف المباريات، يقرأ إحباطًا عميقًا ومرارة الانتظار الطويل. مشهدٌ مكثف يلخّص الواقع الاجتماعي الذي يرافق كل دخولٍ مدرسي: تلميذٌ فاقدٌ للأمل، وأسرةٌ مثقلةٌ بالهموم، ومدرسةٌ تُستقبل كعبءٍ لا كأفقٍ للارتقاء.
يجب ان نتحدث اليوم بواقعية ومسؤولية عن دخولٍ مدرسي يأتي في سياقٍ مشحونٍ بصرخة جيلٍ جديدٍ من الشباب المغربي، جيل “Z”، الذي يطالب بإصلاحٍ حقيقي يعيد للمدرسة العمومية دورها ورسالتها، وللتعليم معناه كحقٍ أساسي ورافعةٍ للعدالة الاجتماعية.
جيلٌ يطالب بتعليمٍ جيد، بمدارس مؤهلة لا مكتظة، وبمناهج تواكب روح العصر، تُنمّي مهارات التفكير النقدي، والتكنولوجيا، واللغات. فهل ستستمع الحكومة لصوت جيلٍ بأكمله يطالب بتعليمٍ يليق بكرامته وطموحاته؟
لقد أصبح الدخول المدرسي مرآةً لواقعٍ متعثر، تُثقل كاهله الاختلالات البنيوية المتراكمة داخل المنظومة التعليمية: اكتظاظ، هشاشة البنيات، خصاص في الأطر، ضعف التنسيق والتخطيط، وغياب العدالة المجالية بين الوسطين القروي والحضري.
السيد الوزير، قدمتم في عرضكم معطيات مهمة واجراءات لا يمكن تبخيسها، نثمّن المجهودات المبذولة في مواصلة تنزيل خارطة الطريق 2022-2026، لكننا نسجّل بقلقٍ استمرار الفجوة بين التصوّر والتنفيذ. فمشروع مدارس الريادة، رغم أهميته، يظل محدود الأثر ما دامت تحيط به مؤسسات تعاني ضعف التأطير والتجهيز.
تشير تقارير إلى أن هذا المشروع يعاني من نقص في الإنصاف، وتفاوتات جهوية، وضعف في الوسائل والتأطير والمتابعة، مما يجعل تعميمه السريع محفوفًا بمخاطر تراجع الجودة وضعف الاستدامة. كما يُلاحَظ أن التركيز على التجهيزات المادية يطغى أحيانًا على جوهر الإصلاح التربوي، أي المحتوى، الكفاءات، المنهجية، وبيئة العمل. وإذا لم تُعالَج هذه الإشكالات بشكلٍ ممنهجٍ ومنظَّم، فإن التعميم قد يتأخر أو يفقد فعاليته في بعض المناطق.
إلى جانب ذلك، فإن المقاربة المعتمدة في مدارس الريادة لمعالجة ضعف المهارات الأساسية كالقراءة والحساب والتعبير، هي مقاربة شمولية لا تراعي الفروق الفردية، إذ تركز على الرفع من مستوى التلاميذ المتعثرين، مما يؤدي أحيانًا إلى تراجع مستوى المتفوقين. ***
أما التعليم الأولي، وتدريس اللغات، والرقمنة، فهي أوراش واعدة لكنها ما تزال تواجه صعوبات هيكلية تتعلق بضعف التكوين والموارد، وغياب رؤية مندمجة تجعلها جزءًا من إصلاح شامل لا مجرد إجراءات متفرقة.
ولا يمكن لأي إصلاح تربوي أن ينجح دون الاستثمار في الإنسان وتحفيز نساء ورجال التعليم ماديًا ومهنيًا، وتأهيل المدارس خصوصًا في العالم القروي، ومراجعة المناهج بما يعزز التفكير النقدي والذوق الجمالي.
ومن المظاهر المثيرة للاستغراب في مناهجنا الدراسية، ما ورد في كتاب التربية الفنية للسنة الرابعة ابتدائي من نصوصٍ سطحية تتضمن عبارات من قبيل:
“يقوم بحركات بسيفه باه! بام! باق! طراق! طرطلاق! ساق! سرملاق! زداف! زدردلاف…”
فهل بمثل هذا المحتوى التافه نُكوّن جيل الريادة؟ أين القيم الجمالية، والخيال المبدع، والذوق الفني الذي يُفترض أن تُنمّيه هذه المادة؟ فلنصرخ وننادي “وا بوكمخاه !!!!”
السيد الوزير، نُثمِّن ما جاء في عرضكم من إجراءات تروم تحسين تدبير الدخول المدرسي، لاسيما ما يتعلق بإطلاق الرقم الأخضر، وإحداث خلية مشتركة مع الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين تُعنى بمعالجة الإشكالات الميدانية التي قد تعترض السير العادي للدخول المدرسي، وكذا إرساء لجنة مركزية لتتبع توفر الكتب المدرسية بالمكتبات.
غير أننا نأمل أن تُفعَّل هذه الآليات على نحو فعلي وناجع، حتى لا يتكرر ما واجه تنفيذ برنامج “المدرسة الرائدة” خلال الموسم الحالي من نقصٍ حاد في الكتب واللوازم التعليمية في بعض المناطق، الأمر الذي اضطر معه أولياء التلاميذ إلى الانتظار طويلًا للحصول عليها، مما عرقل انطلاق الدراسة في عدد من المؤسسات، وأخلّ بمبدأ تكافؤ الفرص بين المتعلمين.( سبق لي أن وجهت لكم في هذا الشأن سؤالًا كتابيًا ومازلت انتظر جوابا).
السيد الرئيس، السيد الوزير، السيدات والسادة النواب المحترمون،
لقد ركّز جلالة الملك، في الخطاب الذي ألقاه أمام نواب الأمة بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الحالية، على ثلاثية جوهرية تُشكّل مفاتيح الاستقرار الاجتماعي الحقيقي، وهي: النهوض بالتعليم، وتعميم الولوج إلى الصحة، وتوفير فرص الشغل للشباب.
إن هذه الثلاثية ليست مجرد توجهات آنية، بل تمثل في جوهرها لبَّ المشروع المجتمعي الاتحادي الذي نناضل من أجله منذ عقود، باعتباره مشروعًا إنسانيًا وتقدميًا يروم بناء مغرب العدالة والكرامة وتكافؤ الفرص. وهي أيضًا نفس المطالب التي عبّر عنها جيل الشباب الجديد.
وإننا في الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية، نعتبر هذه المطالب صوتًا وطنيًا صادقًا يجب أن يجد صداه في السياسات العمومية، من خلال تعليم عادل يضمن تكافؤ الفرص، وتشغيل منتج يضمن الكرامة، وصحة عمومية تضع الإنسان في صلب التنمية.
من السذاجة أن نعتبر أن الإشكالات العميقة التي يعاني منها قطاع التعليم هي نتيجة سياسات تعليمية ظرفية لوحدها، أو أنها مسؤولية وزارتكم حصراً. كما أنه من السذاجة أيضًا أن نعتقد أن هذه الإشكالات يمكن معالجتها في سنة واحدة أو خلال ولاية حكومية واحدة، كما عبّرت عن ذلك الأخت خدوج السلاسي بدقة في مداخلتها السابقة.
إن أزمة التعليم في بلادنا أعمق من أن تُختزل في اختلالات تدبيرية أو برامج قطاعية، فهي نتاج تراكم تاريخي لاختيارات اقتصادية واجتماعية وثقافية، أفرزت تفاوتات مجالية صارخة، وكرّست ضعف تكافؤ الفرص بين أبناء الشعب الواحد. لذلك، فمسؤولية الإصلاح تتجاوز الوزارة والحكومة معًا، لتشمل جميع الفاعلين: من برلمان وأحزاب سياسية وجماعات ترابية ونقابات وأسر ومجتمع مدني.
إننا في الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية نؤمن بأن إصلاح المدرسة المغربية لن يتحقق إلا عبر رؤية وطنية جماعية تُعيد الاعتبار للمدرسة العمومية كرافعة للعدالة الاجتماعية والمجالية.
فرغم توفر منظومتنا التربوية على مرجعيات قوية كالميثاق الوطني والرؤية الاستراتيجية 2015–2030 والقانون الإطار، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في تفعيلها وتنزيلها الميداني بما يضمن مدرسة عمومية منصفة تُحقق الارتقاء الاجتماعي وتكافؤ الفرص بين أبناء الوطن.