أرض بلادي_عزيز بنعبد السلام
تقدم جريدة أرض بلادي برنامجًا جديدًا للسيرة الذاتية تحت عنوان “شخصيات…” يعدّه ويقدمه الأستاذ عزيز بنعيد السلام، وهو برنامج يسلّط الضوء على وجوه وفعاليات تركت بصماتها داخل المجتمع من خلال ما قدمته من خدمات جليلة، وما تزال تقدمه في صمت من أجل رفاهية وتنمية المجتمع.
وفي هذه الحلقة، نتوقف عند السيدة خديجة أيت سعيد، المغربية التي تحولت من معاناة الطفولة إلى نموذج إنساني مشرف في المهجر.
النشأة والبدايات الصعبة
وُلدت خديجة أيت سعيد سنة 1989 في إقليم شيشاوة بالمغرب. وبعد سنوات قليلة، انتقلت رفقة أسرتها إلى مدينة جرادة حيث كان والدها يعمل في الميناء. لكن القدر كان أقسى مما يُتوقع، إذ توفي والدها وهي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، تاركًا الأم وحدها في مواجهة أعباء الحياة ورعاية ستة أبناء: أربع بنات وولدين.
لم تستسلم الأم لليأس، فعملت في غسل الموتى لتوفير القوت لأبنائها. أما خديجة، فقد نشأت في بيئة قاسية جعلتها تدرك معنى الفقدان، والمعاناة، والحرمان منذ طفولتها.
الهجرة بحثًا عن الأمل
رغم الظروف الاجتماعية القاسية، لم تفقد خديجة الأمل في مستقبل أفضل. قررت الهجرة إلى إسبانيا (برشلونة) لاستكمال دراستها وتحقيق طموحاتها. ومع وجود أختها الكبرى هناك، لم يكن الأمر سهلًا، إذ واجهت تحديات كبيرة وصعوبات في الاستقرار والحصول على عمل، لكنها أصرت على المضي قدمًا.
بدايات العمل الإنساني
منذ طفولتها، عُرفت خديجة بتعاطفها مع اليتامى والمحتاجين، وهو ما انعكس لاحقًا في مسارها. ففي برشلونة، أنشأت صفحة على منصة “تيك توك”، حيث بدأت بنشر مقاطع إنسانية ونداءات لجمع المساعدات للمهاجرين المغاربة الذين يعيشون في الشوارع بلا مأوى، وخاصة النساء في وضعية صعبة.
ورغم نُبل رسالتها، تلقت خديجة إهانات متكررة من بعض أبناء الجالية المغربية بإسبانيا عندما كانت تطلب المساعدة، لكنها لم تتراجع. آمنت برسالتها، وواجهت هذه التحديات بإصرار وعزيمة، مؤكدة أن العطاء لا يحتاج إلى مقابل.
محطة الصليب الأحمر الإسباني
بفضل جهودها الميدانية، لفتت خديجة انتباه الصليب الأحمر الإسباني، حيث تفاعلوا مع مبادراتها الإنسانية وقرروا توظيفها في فرع برشلونة. لتصبح بذلك أول شابة من أصول مغربية تنضم إلى الصليب الأحمر هناك، مستفيدة من تجربتها السابقة في العمل الاجتماعي والإنساني. هذه الخطوة شكّلت اعترافًا رسميًا بجهودها ورسالة تقدير لكل ما قدمته.
العمل الجمعوي في برشلونة
تعرفت خديجة خلال مسيرتها على السيدة فاطمة أبادي، رئيسة جمعية “أبادي فاطمة” الخيرية ببرشلونة. سرعان ما التحقت بالجمعية وتم تعيينها أمينة للمال نظرًا لروحها التطوعية وكفاءتها.
وتُعد الجمعية اليوم من أبرز الفاعلين في العمل الخيري بإسبانيا، حيث تنظّم أنشطة متنوعة، أبرزها إفطار جماعي في شهر رمضان لفائدة الأشخاص عديمي المأوى، بالإضافة إلى دعم النساء في وضعية هشّة.
الشهرة والتأثير الإيجابي
لم يقتصر دور خديجة على العمل الميداني، بل امتد إلى العالم الرقمي عبر منصة تيك توك، حيث أصبحت من الشخصيات الأكثر متابعة، بفضل الفيديوهات الإنسانية التي تنشرها باستمرار. وقد استطاعت أن تُلهم آلاف المتابعين، وتدعوهم إلى التفكير بإيجابية ودعم الآخرين.
اليوم، تُعتبر خديجة أيت سعيد نموذجًا للمرأة المغربية المهاجرة التي لم تستسلم للظروف، بل استطاعت أن تجمع بين التضحية، والإنسانية، والعمل الجمعوي، لتترك بصمة واضحة في المجتمع الإسباني، خصوصًا في برشلونة.
خديجة أيت سعيد.. أيقونة العطاء
إن قصة خديجة ليست مجرد حكاية شخصية، بل هي درس في الصبر والإصرار والعطاء. استطاعت أن تحوّل مأساتها الأسرية إلى قوة دافعة لخدمة الآخرين، لتصبح واحدة من النماذج التي تُشرّف المغرب والمغاربة في الخارج.